Skip to main content

Full text of "book85"

See other formats


صديقع 
ماأعظهلئك 


الطبعة الآولى 
۱ هت ۱۹۹۱ 
الطبعة الثانية 
۲ اه -۱۹۹۲م 
الطبعة الثالثة 
۱اه ۸۲۰۰۱ 


تیم جم قوق ااعطتیع موظة 


© دارالشروق- 
سسا الت معام ۱۹1۸ 


القاهرة :۸ شارع سيبويه المصرى - 
رابعةالعدوية_مديثة نصر 
ص . ب :۳۳ الب انوراصا - تلی فون :۰۲۳۳۹۹ 4 
اک س :۱۳۷۹۲۷ (۲۰۱۲) 
الب سرید الإلكترونى: email: dar@shorouk.co0m‏ 


دارالشرو قف 


مازبریا !! 


كنا شبابًا » وكانت أوروبا بالنسبة لنا حلمًا يداعب خيالنا تغذيه 
مقالات وكتب كبار الكتاب الذين أحببناهم وقرأًنا خواطرهم 
وذكرياتهم عنها » :ثم جاءت الفرصة حين فتح باب السفر للخارج فى 
أواخر الستينيات » واندفع الشباب يسافرون إلى المانيا وايطاليا بالذات 
فيتصعلكون فى شوارعها ويشترى بعضهم سيارات قديمة يقودونها إلى 
فینیسیا ويركبون معها الباخرة المصرية إلى الإسكندرية . وأغرتنى 
التجربة أن أصنع مثلهم تحرکنی الرغبة فى التعرف على آوروبا أكثر 
منها الرغبة فى اقتناء سيارة وكان صديق حسين قد عاد قبلها بأسابيع 
من رحلة ممائلة بسيارة إيطالية ويستعد للقيام برحلة أخرى يشترى فيها 
سيارة جديدة ليبيعها ويحقق ربحًا يدفم منه جارك السيارة الأولى » 
وقررت أن اسافر معه وجمعت كل ما استطيع جمعه من نقود 
وركبت معه الباخرة «سوريا» من الإسكندرية إلى إيطاليا » ولأنى 
أحترم اخبرة دائمًا فلقد أسلمت قيادى فى كل أمور الرحلة لصديق 
حسين وأعتبرت ارشاداته قرارات غير قابلة للمراجعة . ول لا أليس 


° 


خبیرا بالحضارة الأوروبية وسافر من قبل إلى أوروبا » وأنا 0 أسافر 
إليها بعد ؟ 

ووصلت الباخرة بعد ۵ أيام إلى فيئيسيا فبهرفى منظرها والبحر الذى 
ترق شوارعها » وکدت آنسی هدف الرحلة وطلبت من صديق أن 
نصرف نظرًا عن حكاية السيارات ونمضى أيامنا فى هذه المدينة 
الجميلة ونستمتع بالحياة فا » لکن صديق الحازم الذى يعرف عنى 
مثل هذه النزوات حسم الأمر وجذیی بعنف إلى محطة السكة الحديد 
لنركب القطار إلى میلانو مطمتٌا إياى بأننا سنعود إلى فینیسیا مرة آحری 
بعل أسبوع لتركب الباخرة » ماع عندها وقنًا کافا لتأملاق فى 
جالها . وحملنا القطار إلى ميلانو فا کتشفت انها مدينة صناعية كثيبة 
ليس فا ما يغرى سائحًا بزيارتها » لکن صديق كانت له حساباته 
الدقيقة فهى أقرب إلى فينيسيا وببا سوق للسيارات المستعملة اشترى من 
سيارته الأولى » فقادنی إلى نفس الفندق الذى أقام به » وأصطحينى 
فى الصباح إلى سوق السيارات » وبداً مارسة سلطاته فطفنا بكل 
السيارات نتفرج عليها ونراجع أسعارها .. ويكتب صديق النظم 
أسعارها فى أوراقه » وانتهى اليوم وعدنا للفندق وبعد قليل دعانى 
لغرفته فوجدت على المائدة أمامه كومة كبيرة من الأوراق مليئة بعمليات 
الجمع والطرح والضرب وسألنى عا معى بدقة من دولارات لكى رى 
حساباته » فصارحته با معى على وجه التحديد » فاميمك مرة أخرى 
32 بیع والطرح . وتكررت لفن العملية فى اليومين التاليين » ثم 
استقر رأيه على شراء ۳ سيارات بدلا من سيارتين .. اثنتان له لاله رأى 


5 


سيارة عتيقة سعرها زهيد جدًا فقرر شراءها بالإضافة إلى السيارة 
الأصلية ليزداد ريحه من العملية . وتوجست شرا من هذه السيارة 
الاضافية .. ونقلت إليه حاوف من نها ستحملنا أعباء جديدة .. لكنه 
أكد لى أن الأمر تحت سيطرته تماما ولن يتطلب سوى استشجار سائق 
ايطالى لنقلها إلى فینیسیا » وواصل حساباته وكان من عادته أن يجمع 
وبطرح بصوت مسموع » فتنبیت فجأة إلى أنه يضيف كل ما سوف 
يتبق معى من نقود بعد دفع تمن السيارة واجر الفندق » إلى ما معه هو 
من نقود فيصبح المجموع كذا وبالتالى يمكن شراء سيارتين له بدلاً من 
واخيدة [. 

وحاولت لفت نظره ببدوء إلى أنه قد نسى مسألة هامة فى حسابانه 
هى مسألة «المانجريا» أى الطعام باللغة الايطالية وما سوف نحتاج إليه 
من نفقات للطعام والإقامة بعد دفع أثمان السيارات وأننا فى بلاد غريبة 
ولن نجد من يقرضنا ولا من يدعونا إلى وجبة من «المستكة » » أى من 
اللحم بالإيطالية » وهوالمغرم بأكل المستكة كل يوم لهذا فإفى أرى من 
الحكمة أن يصرف النظر عن السيارة الاضافية ليتبق معه ومعى ما يكفل 
لنا الحياة الكريمة فى باق أيام الرحلة » لكن صديق سيطرت عليه فكرة 
السيارة الزائدة ولم تنجح معه محاولاق » وسألنى معاتبًا آلسنا مما فى 
الخير والشر فاندفعت أؤمن على كلامه فبسط يده طاليًا النقود فقدمتها 
له صامتًا . واشترينا السیارات وتحركنا بها من ميلانو إلى فينيسيا ‏ 
وحدث ما توقعته فتعطلت السيارة القديمة فى الطريق وفشلنا فى 
عحاولات إصلاحها بعد ساعات فترکناها ووصلنا إلى فينيسيا بعد رحيل 


۷ 


الباخرة الصرية بساعة . وأصبح علينا أن نواجه الحياة فى الدينة العائمة 
دة أسبوع كامل بلا نقود للفندق أو الطعام . وكان صديق الخبير قد 
اشترى لكل منا قبل أن نبداً السفر من میلانو كرة كبيرة من أرخص 
أنواع الجبن الايطالى لتغنينا عن وجبة الغداء الى لم نعد قادرين على 
تكاليفها بعد نكبة السيارة فأمضينا ساعات السفر نقرض فيها 
كالفئران . وعجز ما تبق معنا بعد وصولنا عن أن يوفر لنا سريرًا فى 
أرخص بنسيون فى فينيسيا فقرر القائد أن نبيت فى السيارتين فكانت 
ليلة سوداء ‏ يغمض لى فا جفن وف الصباح خلعت ساعتى وأخرجت 
ولاعتی وبضع عشرات من الجنييات المصرية كنت أحتفظ بها للإنفاق 
منها فى ميناء الإسكندرية بعد العودة » واستحلفته مبرته ودرايته 
بأوروبا أن جد مشتريًا هذه الأشياء لنجد ما ندفعه لأرخص بنسيون فى 
المدينة مقابل النوم فقط ۰ ولو أمضينا الأيام الباقية فى نحت كور 
الحبن » فاستثارت كلاق حاسه ونبض من فراشه ‏ اقصد سيارته ب 
نشیطا وقادفی إلى حوارى ودروب فينيسيا يمنا عن شخص مصرى مقم 
فا مند سنوات حتى عثر عليه بعد عذاب وباع له النقود الصرية 
بنصف قيمتها والساعة والولاعة بعشر قيمتهيا » ودلنا المصرى على 
بنسيون رخيص نقلنا إليه حقائبنا ودفعنا له أجر الإقامة لمدة ٦‏ أيام 
مقدمًا فلم يبق معنا بعده ما يكفى إلا لشراء كور اين التى يشبه طعمها 
صابون الغسيل » ونمت فلم أشعر بالدنيا وجثت عن صديق فى الصباح 
فوجدته عائدًا من الخارج بعد ان اتفق مع طالبين مصريين من 
اصحاب السيارات المنتظرين للباخرة على قطر سيارته المعطلة بالبال 
۸ 


من الطريق السريع إلى فینیسیا ولم ينس أن يرشح سیارتی بالذات هذه 
المهمة المقدسة لانها فى رايه اقوى وقطرناها فعلا إلى الميناء واستراح 
وأصبح علينا بعد ذلك أن نواجه الفراغ وقلة الشىء لمدة ٦‏ أيام كاملة 
فى المدينة العائمة » وبعد ساعات كنت قد تكيفت مع واقعى الجديد 
فانطلقت استمتع «شفویا » بالحياة فى فينيسيا وأتفرج على قواربها الق 
تمثل شريان مواصلاتها الرئيسية .. واستمتع برؤية قارب الجندول 
الأسود الشهير وهو يحمل السياح الأمریکیین وقائده الايطالى يغنى طم 
على الجيتار مقاطع من الأوبرات العالية .. وأمضى الساعات جالسًا 
على سلام محطة السكة الحديد بين مجموعات الشباب من كل أنحاء 
العام .. أو واقفا فى ميدان سان مارك الشهير الذى مج إليه السياح من 
كل مكان وکلا قرصنى الجوع أرجت كرة الجين وأنشبت فیا أنيالي » 
ورغم كل شىء فلقد تمتعت بالانطلاق على سجیتی لدة أسبوع فى هذه 
الدية السعيدة » ونسيت كل شىء فلم أعد أذكر سوى رغبتی فى 

التفرج على الكنائس والنافورات والقصور الأثرية . 
أما صديق حسين فلقد شق عليه وهو المغرم بالكل الحرمان من 
أطباق المكرونة الأسباجيق وقطم اللحم العائمة فى الصلصة 
النابوليتانية طوال هذه الأيام حتی بدأ بزل ويصفر وجهه ويكتثب یوم 
بعد يوم وفى الساعات الأخيرة لنا فى فينيسيا وصل إلى مرحلة الهذيان 
وعندما وصلت الباخرة المصرية إلى الميناء وم رفع السيارات إليها وقفنا 
ف الطابور ننتظر دورنا لدخولها والمصريون العائدون من حولنا يتبادلون 
عبارات الشوق إلى مصر » وتتردد حولنا فى كل لحظة عبارة : عار 
1 


يا مصر همس صديق بكلات مهمة لم أسمعها بوضوح فسألته ماذا 
يقول : فأجابنى بصوت مبحوح وهو ينظر إلى الأمام شاردًا : نفسى 
فى المستكة !. 


حدیقی .. ما أعظيك ! 


كنا ثلاثة من الأصدقاء تجمعنا كلية واحدة وهواية الأدب وحسن 
الظن بأنفسنا كعادة غيرنا فى مثل هذه السن » وكان من بين هواياتنا 
الاستاع إلى الموسيق الكلاسيك ف حفلات آورکسترا القاهرة السیمفونی 
صباح كل يوم جمعة ۰ وكان اوركسترا القاهرة فى شبابنا يقدم حفلات 
صباحية فى دار الأوبرا کل أسبوع للطلبة بأسعار رمزية فندخلها بقروش 
ونحلق فى سماوات الال مع أنغام الموسيق ونظل طوال الأسبوع 
نتحدث عنما ونسترجعها ونستعيد صورة المايسترو الیوجسلای العظم 
فرانز ليتشاور وحركاته وایماءاته وانحناءاته امام الجمهور ... وبعد عدة 
أسابيع من مواظبتنا على حضور هذه الحفلات اعتيرنا أنفسنا خبراء 
بالموسيق واستشعرنا نوعًا من الاستعلاء الثقافى المزيف فأصبحنا تملاً 
أفواهنا بالحديث عن موزار وفاجنر وفیفالدی وباخ وهاندل وبیتهوفن » 
وندعى القدرة على تمييز موسيق کل منهم ... ونجلس فى قاعة الأوبرا 
متحفزين لأى صوت يصدر من المستمعين لنسکته بأنفة ثقافية تليق 
بالقام ونتربص بعنف ممن يخطئون ويهمُون بالتصفيق فى فترات 
الصمت بين حرکات السیمفونية التى ينبغى الا بتخللها أى تصفیق مع 
۱ 


أننا وقعنا فى نفس المطب مرارًا فى بداية حضورنا للحفلات فكان 
الحاضرون أكثر رفقًا بنا ... ولفتوا أنظارنا برقة إلى ضرورة الانتظار حتی 
ینتمی عزف السيمفونية كلها ثم نبدا فى التصفيق مع الآخرين وى هذه 
الفترة من العم ركانت أغافى عبد الحلم حافظ العاطفية ترطب حياتنا 
ولم نكن نری بأسا فى مشاركة الآخرين اهتامهم بها رغم تميزنا 
الموسيق ! فكنا نترنم بها ونتبادل الاعجاب بأصواتنا «الرقيقة» ! ثم 
حدث أن نظمت كليتنا حفلها الغناق السنوی ودعينا بما لنا من «خبرة » 
فنية للاشتراك فى ترتيب فقرات الحفل فتقبلنا السئولية بتواضع وانهمکنا 
ف التنظم وراء الكواليس > وتوالت فقرات الحفل حتى جاء دور 
مطرب شاب كان فى بداية شهرته وقتبا » ووجدنا أنفسنا أمام أزمة 
طارئة فلقد جاء المطرب الشاب ومعه ه عازفين من فرقة شهيرة أراد أن 
يضمهم للفرقة الموسيقية التى تقدم فقرات الحفل فاعتبر عازفوها ذلك 
إهانة لقدراتهم ورفضوا وانسحبوا إلى الكواليس ... وسألنا المطرب 
الشاب باشفاق ماذا ستفعل يا أستاذ فقال باستهانة : لا يبمنى سأغنى 
بمصاحة هؤلاء العازفين الخمسة فقط فأعجبنا بشجاعته وشددنا آزره 
فإذا به يفاجئنا بطلب غریب هو أن نسانده بترديد مقاطع أغانيه وراءه 
على المسرح ! والجمتنا المفاجأة فلم نتكلم واعتبر هو الصمت علامة 
الرضا فدخل إلى المسرح وعزفت الفرقة القدمة الوسيقية والتفت إلينا 
يدعونا للدخول لکننا تسمرنا فى مكاننا بالكواليس عاجزين عن 
ارکة .. 

فأشار إلينا أن نردد وراءه من الکوالیس وبداً الغناء وانتظر أن 


۱۲ 


نطلق أصواتنا بالترديد وراءه فلم يسمع شبئًا فاقترب منا وشجعنا على 
الترديد وأشار لعامل المسرح بأن قري ما اعد الیکروفونات تم عاد إلى 
مکانه وید بردد المقطع الثانى ... وانتبی منه َم نظر إلينا مشجعا 
فوجدنا فى أنفسنا الشجاعة هذه الرة لأن نغنى فبدأنا نردد هامسین 
والطرب ينظر إلينا باسمًا ... ثم علت أصواتنا تدريجيًا فاذا بابتسامته 
تحختنی ووجهه يكفهر ثم راح يغنى المقطع الثالث مكتئيًا وجاء دورنا 
فانطلقت أصواتنا فأشار لنا أن نسكت لكن هيبات أن نسكت بعد أن 
نجحنا فى التخلص من جمودنا وخجلنا بصعوبة ... فسكت على 
مضض حتی انتهى الترديد وهم بمواصلة الغناء فإذا بأحدنا يخطئ 
بتكرار التردید من جديد ... فلم ندعه فى محنته وحید واندفعنا لنجدته 
بأصواتنا الميزة فإذا بالمطرب الشاب يفقد أعصابه وقد أحس بالكارثة 
فتخلص من رقته العاطفية وصاح فى عامل السرح يحفاء : شيل 
الميكرفون يا جدع ! فجاء عامل المسرح مسرعًا حمله من أمامنا ونحن 
مستمرون فى الغناء وكل من حولنا يضحكون حتی تا فجأة للمأزق 
فسكتنا ونحن نتعثر فى خجانا وعارنا ‏ لكثنا لم نستسلم للاحباط طویلاً 
فقد تأملنا الموقف بنظرة فلسفية مناسية م انفجرا ضاحكين ونحن 
نواسی بعضنا البعض بأنه لا مكان للأصوات الأوبرالية ولا الثقافة 
الموسيقية الرفيعة فى هذا المكان !. .. ومن هذا اليوم البعید تعلمت 
درسًا هاما من دروس حياق هو أن رأبى فى قدراق ليس هو العیار 
الصحيح للحكم عليها ... وأن الأهم هو رای الآخرين فيا !. 
فن لا يسمع سوى صوته لا يستطيع أن يحكم بصدق عا إذا كان 
۱۳ 


جميلاً أو منفرًا » ومن لا يسأل الآخرين عن رآیهم فى إمكاناته ويستنير 
بآرائهم فى تقييمها لن ينجح غالبا فى معرفة حقيقتها وتوجیبها التوجيه 
الستلم.. 

وفيا بعد قرأت أن الانسان بعتقد دائمًا خلال طفولته وصباه أنه 
موهوب فى أحد بالات أربعة أو فيها كلها هى الغناء والرسم والاأدب 
وممارسة الرياضة ثم يكبر وتحدد له الأبام حری حياته فیکتشف غالا أنه 
عاطل عن الوهبة فى ای من هذه احالات !. 

لهذا قال الحكيم الفرنسی لاروشفوکو ان آراء أعداثنا فینا آقرب إلى 
الصواب من ارائنا فى انفسنا !. 

وقالت العرب التق ما شهدت به الأعداء ‏ أى ما شهدت لنا به 
من فضل او أو قدرات . 

فأعرف قدراتك جيدًا با صديق وحاول أن توجهها إلى الطریق 
الذی تلمع فيه وتنمو » ولن يتحقق لك ذلك إلا إذا عرفت بدقة 
نقاط قوتك وتميزك الحقيقية ونقاط ضعفك » ليس من الضرورى أن 
يكون كل الناس عباقرة ولا موهوبين ونیا من الضرورى فقط أن يختار 
كل إنسان لنفسه احال الصحيح الذى يعبر فيه عن نفسه وتنطلق فيه 
قدراته فأنت إنسان أولاً وأخيرًا والانسان کا كان يقول شكسبير على 
لسان هاملت هو آعجب خلوقات هذا الکون ما اعظمه ... وما 
آغربه ... فا أعظمك يا صدیق إذا عرفت حدود قدراتك وما 
أضعفك وما آغريك إذا عمیت عنها وغرقت فى آوهامك إلى أن 
تصدمك صيحة منكرة كصيحة «شيل الیکرفون يا جدع) !. 
٤‏ 


انفض يا سيدى .. « الشاب » ! 


روى أحد الأدباء ذات يوم قصة خيالية عن مهاجر عربى هاجر إلى 
أمريكا الجنوبية فى منتصف هذا القرن » فاحتفل به آقاربه الذين 
سبقوه إلى المهجر وطافوا به شوارع الدينة التى يعيشون فیها فقادتهم 
أقدامهم إلى مقبرتها » واعجب الوافد الجديد يال حديقة المقبرة 
وشواهدها الرخامية الثميئة » لكنه لاحظ خطأ شائعا فى بياناتها جميمًا 
فكل شاهد منبا يحمل عبارة من هذا النوع : فلان الفلانی ولد عام 
۰ ومات عام ۱۹۳۰ وعمره عشرون سنة !» أو : فلان الفلانى 
ولد عام ۰ ومات ۱۹4۰ وعمره خمسون عاما ! وهکذا ..! 
فلفت أنظار آقاربه إلى هذه الأخطاء فى حساب الأعار فضحکوا منه 
وقالوا له » إنه لا خطأ هناك لأن الناس فى هذه المدينة لا يقدرون عمر 
الإنسان با عاشه من سنوات من مولده إلى رحيله » وإنما با عاشه من 
لحظات السعادة وهكذا فقد يكون عمر إنسان مثلاً ۷۰ عامًا لكنه ۸ 
يعش فعلاً سوى عشرين سنة » وقد يكون عمر آخر ٠١‏ عام لكنه 
عاش ۵۰ عامًا من السعادة فيكون أطول عمرًا من الأول بحساب 
السعادة وليس مساب السنين !. 


وأعجبت الفكرة المهاجر الجديد وكان فى الأربعين من عمره 
فتأملها طويلاً ثم تنهد بأسى قبل أن يقول لرفاقه : إذا مت اليوم أو غذا 
فأرجو أن تكتبوا على شاهدی هذه العبارة «جبور جبر من بطن امه إلى 
القبر !» أى إنه ُ بعش يوما واحذًا من السعادة منذ ولد !. 

وأنا من المؤمنين بهذه النظرية فى تقدير الأعار الحقيقية للإنسان » 
بروح الشباب وليس بشهادة ميلاده فا يمكن أن يكون عمر 
الإنسان الحقيق محساب السعادة ٠١‏ سنوات فقط وهو فى الخمسين .. 
يمكن أن يكون الانسان أيضًا شابًا فى الستين .. أو شيمًا فى العشرین 
من عمره بحساب روح الشباب وحاسه فالشباب عندى ليس مرحلة من 
العمر تبدأ فى السابعة عشرة أو الثامنة عشرة وتنتهى قبيل الأربعين ونم 
هوکا يقول الشاعر الأمريكى صامويل أولان شعور فى النفس وقوة فى 
الارادة وتوقد للخبال وللمشاعر والعواطف وتغليب للشجاعة على 
الخوف والتبيب » أما الشيخوخة فهى ضعف كل ذلك عند الانسان 
ولو كان شابًا فى عنفوان شبابه . 

فأنت شاب مها كان عمرك إذا كانت إرادتك وقلبك وخيالك 
وشجاعتك ومشاعرك شابة فتية لم يدركها الوهن لكن الشباب فى حاجة 
دائمة إلى حكة الشيوخ ..» والشیوخ دائمًا فى حاجة إلى قدرة الشباب 
وكلاهما يتطلع إلى ما ينقصه لدى الاخر ويتعذب به والشاعر العربى 
حين قال : 

آواه لو عرف الشباب 
واه لو قدر المشيب | 


كان يحم بپذه الروشتة المضمونة للسعادة .. ان و يعرف » الشباب 
ای أن يتسلحوا بالعرفة والخبرة والحكمة التى توافرت ١‏ للمشيب» وأن 
«يقدر » المشيب .. ای أن يحتفظ بياس الشباب وإتقاد مشاعرهم 
وشجاعتهم وقوة إرادتهم بعد أن يكتسيوا خبرة السنين . والمعادلة قد 
تكون صعبة لكنها ليست مستحيلة فأنت تستطيع أن تعيش شابًا بقابك 
وفكرك طوال العمر إذا تجنبت القلق والشك فى قدرتك وإحساس 
القنوط والیأس من اليوم .. والمخوف من الغد » وإذا جعلت لنفسك 
هدفّا تسعى إليه ولحياتك قيمة ومعنى عندك وعند الآخرين » فالقلق 
والخوف والإحساس بالعجز وافتقاد امدف والاحساس بإنعدام الدور 
مها كان ضثيلاً هو أكثر ما يبدد الشباب بالشيخونة وأكثرما يستدعى 
التجاعيد إلى وجهك وقلبك وروحك . 

ومن أطرف ما قرأت فى قصة حياة المفكر الفرنسی الحا سان 
سيمون هو أنه درّب خادمه على أن يوقظه كل صباح فى فراشه قائلاً 
له : ٍنپض يا سيدى الكونت .. فان أمامك مهام عظيمة لتؤديها 
للبشرية !. فينبض متل" نشاطًا وحيوية ومستشيرًا أهمية وجوده ودوره 
فى الحياة الى تنتظر منه الكثير ! 

ولم يكن لسان سيمون عمل شاق يؤديه سوى القراءة والكتابة 
والتأليف والدعوة إلى مجتمع يقوم على أسس التعاون بدلاً من قوانين 
المنافسة الرأسمالية لكن امتلاءه بالاحساس بالهدف كان يجعل بانه 
معنى وغاية فلم يفقد حاسه ولا شبابه حت مات سنة ۱۸۲۵ وعمره 
8 عاما فإذا كانت ظروف العصر لاتسمح لنا باستشجار خادم يوقظنا 


۷ 


من النوم كل صباح بهذا النداء ایاسی فلندرّب أنفسنا على أن يوقظنا 
نداء داخلى مثله کل يوم . يشحذ حاسنا ويحمينا من الفتور ويبعد عنا 
تجاعيد شيخوخة الروح . 

وكل إنسان يستطيع ان يحد مهاما عظيمة يؤديها للبشرية إذا ادى 
واجبه بإخلاص وجعل من نفسه كائنًا بشريًا مفيدًا لمن حوله ومجتمعه 
الصغير والكبير .. بل ويستطيع ذلك أيضًا إذا کف أذاه عن الآخرين 
وحافظ على الحياة وأضاف إليها .. فإماطة الأذى عن الطريق أى رفعه 
عنه شعبة من شعب الايمان . کا يقول الحديث الشريف ... وعمل له 
قيمة » فا بالك بكف أذى الانسان عن غيره .. وخدمة الحياة بالعطاء 
لما فى أى محال ؟ 

والايمان بالله أول خطوة فى الطريق إلى سلام النفس الذی 
يساعدك على الاحتفاظ بشبابك طوال العمر لأن احخواء النفسى يفتح 
باب الجحم أمام الإنسان .. ويعجل بغروب شبابه .. فى عز الشباب . 

وأنت شاب يا صديق دائمًا » ما آمنت بالله وبنفسك وبأهمية 
وجودك للحياة .. ويحقك فى السعادة وبأنك أكرم مخلوقات الله عليه 
وبأنك خليفته فى أرضه » ومسئول عن إعار هذه الأرض والاضافة 
إليها كل يوم . 

وأنت شيخ يا صديق ولوكنت شابًا محساب السنين إذا افتقدت 
بعض هذا الايمان وهذا اراس وهذه الاإرادة وهذه النظرة المتفائلة 
للغد . 

فقل لى عن أفكارك وإيانك وثقتك بربك ونفسك وقوة إرادتك 


۱۸ 


أقل لك هل أنت شاب أم شيخ متبالك بمقياس صديق الشاعر 
الأمريكى آولان ..؟ 

وحدثنى عن تفتحك للحياة وأيامك السعيدة وحظات السلام 
والحناء التى عشتها اقل لك كم يبلغ عمرك الحقيق الان عقیاس صديق 
جبور جبر.. 

آما ا آردت آن تيش هابا سعیدا طوال العمر.. فانيضن 
یاسیدی الشاب فان أمامك مهاما عظيمة لتؤديها لنفسك ولشبابك 
راو 


كان الأب مشغولاً إلى فة راسه بالاستعداد لحفل زفاف ابنته الذى 
يبدا بعد ساعات والأم تتأكد من اللمسات الأخيرة لتورتة الفرح 7 
وكل شىء . والعروس الشابة فى غرفتها بين صديقاتها ترتدى الفستان 
الأیض والأسرة كلها فى انتظار الابن الأكبر الذى سيصل من مدينته 
القريبة خلال لحظات لبحضر زفاف شقیفته الوحيدة . 

وف زحام التفاصبل الصغيرة التى انشغل بها الأب فوجی بخطیب 
ابته يأقى إليه ببدلة الفرح السوداء الأنيقة ویطلب منه أن يحدثه فى أمر 
هام » فترك الأب كل شىء واصطحبه للحديقة .. فإذا بالشاب يطلب 
منه متحرجًا إلغاء الزفاف أو تأجيله إلى موعد اخر !. 

وو اس انیت نجه الجن اق 
سوى أفى لست متأكدًا حتى هذه اللحظة ما إذا كنت سأسعد بهذا 
الزواج 3 ستسعد به ابنتك معى .. فأنا حائر.. وكلا اقترب الموعد 
ازداد شكى وترددى وحيرق ولا اعرف هل سسعد أم سنندم . 

وحبرة الأب اجرب لا ينزعج لما سمعه لكنه يفهم على الفور أنه 
القلق اللذيذ الذی یتاب الانسان قبیل الاقدام على خطوة أساسية فى 


۳۰ 


حياته وعتص الاب حيرته وفلقه ويؤكد له ان الزواج هو التصرف 
المثالى بالنسبة له ولابنته .. وانمهما اختارا بعضها بارادتهما ۰ ولن يسعدا 
إلا معا .. ثم ان الزفاف بعد ساعات والمدعوين سيصلون بين لحظة 
وأخرى وليس لاثقًا أن يفاجأوا بالغاء الزفاف بعد أن ارتدوا ملابس 
السهرة .. واشتروا الهدايا للعروسين ورتبوا أنفسهم على قضاء السهرة ی 
الحفل !!. 

ویفکر الشاب قليلاً . ثم يقول لا أعرف ما هو الصحيح وما هو 
الخطأ ؟ .. لكنى لن آتراجع على أية حال لكل هذه الأسباب !.. 
ويربت الأب على ظهره مشجعًا .. وينصرف ويتجول الشاب فى 
الحديقة قليلاً ثم يتجه إلى البيت .. ویر بباب غرفة العروس فيراها 
بثوب الزفاف الأبيض جميلة كالملائكة .. تحاول أن تنتبى من زينتها 
وتلتق عيونها فتبتسم له فى سعادة .. ويبتسم لا فى اشفاق !.. م تتسع 
ابتسامته شيئًا فشيئًا حتّى تملا وجهه .. ونحس فجاة بمخاوفه تتلاثى .. 
وبالحيوية تتدفق فى عروقه .. فيلوح ها بيده .. ويتجه بنشاط إلى الم 
ليشاركها الاستعدادات ويصل الابن من مدينته فتقبل زوجته العروس 
وتشترك مع صديقاتها فى الاهعام بشعرها وماكياجها .. ورغم حماسها 
تلمح الأم فى عينيه نظرة ساهمة حزينة وقبل أن تبدأ مراسم الزفاف 
بقليل تجد الام فرصة عابرة لتسال ابنها عن سر شرود زوجته .. فيعتوف 
ها بأنه قد اتفق معها على الطلاق وانبا قد اجلاه إلى ما بعد زفاف 
شقيقته لكيلا يكدرا فرحة الأسرة ! وتصدم الأم.. وتتعجب مما 
معت .. فزوجته شابة رقيقة جميلة وقد تزوجا منذ عام واحد فقط بعد 


۲۱ 


قصة حب طويلة .. فكيف تبخر الحب سريعًا هكذا .. وتترك ابنها 
وتسرع إلى الأب المشغول بتعليق الشرائط الملونة والبالونات فى سقف 
الصالة وتسر إليه بالخبر المزعج وتطلب منه أن يمنع ابنه من ارتكاب 
هذه الجرية .. ويندفع الأب ناحية الابن حانقًا لكنه يفاجأ بوصول 
أول المدعوين فینتزع ابتسامة ويصافحه مرحبًا .. ثم يتوافد بعده باق 
المدعوين وتزدحم الصالة بهم .. ويدخل العروسان وسط هالة من 
الصديقات ومن خلفها الأب والام والشقيق وزوجته وتبدا مراسم 
الزواج » ثم تنطلق الموسيق » ویفتتح العروسان الرقص وبعد دقيقة 
ينظم إلا الأب والأم .. ثم الشقيق وزوجته .. ثم تتسع الداثرة 
ويشترك الجميع فى الرقص حول العروسين .. ويسود الرح والبهجة 
المكان . 

ويحد الأب أخيرًا أول فرصة ليلتفط أنفاسه .. ویتذ کر حديث 
الأم الزعج فيبحث عن ابنه ويقوده من ذراعه إلى ركن من الصالة 
ويسأله فى ضبق : لاذا تريد أن تطلق زوجتك !؟ 

ويخفض الابن عينيه وجيب : لأنى لست سعيدًا يا ألى ! فينظر 
إليه الأب طويلاً .. ثم يقول له فى غيظ : ومن هو السعيد يا ولدى ؟ 

ويرتج الأمر على الابن فلا يدرى بماذا يحيب .. فيواصل الأب 
حلدیثه : 

إن عدم الإحساس بالسعادة ليس سبيًا كافيًا للطلاق وهدم 
أسرة .. فقد يكون إحساسًا مقا .. لا يلبث أن يزول إذا بذل الانسان 
بعض الجهد فى التواؤم مع حباته » وقد يكون راجعًا لأسباب يتحمل 
۳۲ 


هو مسئوليتها وليس من العدل أن يحاسب الانحرین عنها .. ولو سارع 
كل إنسان فلم زواجه بعد هور لاه م يشعر فيه بالسعادة اليّى كان 
یتخیلها وفقًا لتصوراته وحده خلت بيوت كثيرة من سكاتها .. لكن 
الابن لا يبدى اقتناعًا بمنطق أبيه فيزداد حلقه ويمسكه من ذراعه ويشير 
إلى الأزواج الذين يراقصون زوجاتهم ويقول له : انظر إلى هؤلاء 
الذين يرقصون فى سعادة هل يعنى هذا النظر الجميل انبم جميعًا 
سعداء ! هذا مورجان وزوجته ليندا نها منفصلان عملا منذ عام 
لکنہا لم يقّدما على الطلاق خشية أن يندم كل منهما على قراره وخخلال 
ذلك يخرجان معا ويتقدمان للناس كزوجين سعيدين وهذا سميث 
وزوجته ماری انا لا یتحدثان معا الا آمام الاخرین ومع ذلك فلم 
يتعجّلا الطلاق أملاً ف التفاهم .. 

وهذا آلکس وزوجته روز.. 5 جورج وزوجته ستيفانى .. 
ولاذا ذهب بعيدً) ۱.. أنا نفسى .. هل يعنى استمرار زواجى بأمك 
حتى الآن إننى سعيد أو إننى كنت دائمًا سعيدًا .. إن هناك أشياء كثيرة 

: صغرة تجمعنى بأمك . . فنحن نشرب قهوة الصباح مه ها .. ونتناول 
العشاء معا .. وهی تم ی وأنا اهم بها ونحن نتشارك فى إدارة 
الأسرة .. والاهام بك وبأختك . ونتبادل العطف وأحاديث الحاة 
اليومية » والسعادة فى النهاية إحساس داخلى غامض يستطيع کل 
إنسان أن ستشعره ف أبسط الأشياء مها بدت صغيرة .. ويستطيع أن 
يفتقده إذا أراد لنفسه ألا يراها .. وألا يستشعرها .. وإذا طلب لنفسه 
دائمًا الحد الأقصى من كل شىء . 

۳۳ 


وهذا مستحيل لأن الككال لا يتحقق إلا فى الجنة وليس هناك جنة 
فى الأرض .. » وأنت كا فهمت لاتکره زوجتك .. ولا تشكو من 
سوء طباعها .. ولا تشك فى إخلاصها .. وإنما فقط تبحث عن شىء 
غامض .. لاتعرف کنهه هو السعادة.. ولن تجده معها ولا مع 
غيرها » بهذا المفهوم الضيق .. فلاذا تظلمها . 

ولست أعرف باذا آجاب الابن أباه .. ولا ما هو القرار الذى 
اتخذه بعد ذلك فلقد انتبت القصة الأمريكية الغريبة التى قراتها منذ 
عشرين سنة .. والأسرة والأصدقاء يودعون العروسين المنطلقين إلى 
اجازة شهر العسل ويرشون الملح عليهما والجميع فرحون مبتهجون .. 
السعداء وغير السعداء .. والشقيق والزوجة الى يفكر فى طلاقها .. 
والأم والأب الفيلسوف ۰ ثم عاد الجميع إلى بيوتهم ولكل منهم 
شجونه واحلامه ولقد نسيت اسم هذه القصة الغريبة .. وإسم مؤلفها 
فیما سقط من الذاكرة خلال رحلة السنين لکنی لم أنس ابا هذا 
السال العجیب . 

فنحن جميعًا نبحث عن السعادة . لکنه لا ینافا ما أبدا إلا من 
اكتشف المفتاح السزی لعالها وهو الايمان بالله وقضائه وقدره .. 
والرضا بما آتیح لنا من أسباب السعادة والصبر على ما نكره .. 
والأمل دائمًا فى غد أفضل وفی عدم تعذيب النفس بالطموح إلى 
المطلق الغامض الذى لا نعرفه وإلى ما لا تؤهلنا إمكاناتنا للوصول 
إليه .. لأن آهم أسباب الشقاء الإنسانى هو عدم التناسب بين قدرات 
الإسان وبين رغباته وطموحاته .. وهو هذا التطلع الصامت إلى ما 


۳ 


لا نستطيع تحديده أو اسه .. أو الوصول إليه كا أن مفتاح السعادة 
أيضا فى الصبر والتسامح والتجاوز عن الات .. ومحاولة فهم الآخرين 
والتياس العذر لحم .. 

فتذكر ذلك دائمًا با صديق وانت تطلب سعادتك الخاصة .. 
وإلاشقيت .. وشكوت .. فيصدمك من يسمع لك بهذا السؤال المثير 
للتأمل : ومن هو السعيد يا ولدى ؟!. 


۲۵ 


جاء الخريف ! 

اعتدت أن أتأكد من بدايته کل سنة حين أرى شجرة الفل 
الوحيدة فى شرفة مسكنى وقد تحولت إلى عود من الحطب الأجرد 
الخالى من الال .. لا تنتظر منى أن أقول لك كا يفعل الشعراء انى 
| کتب لتساقط أوراق الشجر وذبول الورد فى الخريف .. فالحق نی 
| کتثب لتساقط آوراق العمر وذبول أزهاره وما بعد يوم » ونجىء 
الخريف يذ کرفی بهذه الحقيقة الكونية المرة ۱. 

ولست أنكر جال الخريف وشاعريته .. فقد كنت فى شبابى من 
عشاقه .. ولا أحصل على إجازق السنوية إلا فى شهوره .. وأمضى 
أيامها فى الإسكندرية عقب إنتهاء زحام الصيف مستمتعًا بالجلوس 
کالصن على مقاهى الكورنيش التى اختفت منها ضوضاء المصيفين 
أقرأ .. واتأمل البحر إلى أن يتسلل ضوه النهار من وراء سحب الخريف 
البيضاء .. فأنمض نشيطًا وأبدأ رحلت اليومية على الكورنيش مستقبلاً 
أفق البحر سائرًا على مهل لأكثر من ساعة وأتوقف من حين إلى آخخر 
بجوار بعض هواة الصيد فى الصباح البا کر .. متميًا فى أعماق لكل من 


۳۹ 


آتوقف عنده أن تخرج سنارته بسمكة كبيرة وأبتعد عنه مهرولاً إذا طال 
وقوف يحواره بغير أن تبتز خيوط السنارة قبل أن بتلفت حوله فى ضيق 

ليستكشف سر نحسه !. 
لكنى لم أعد أحب الخريف الآن .. وإن كنت لم أستطع بعك أن 
أتخلى عن عادة الاستمتاع بالتطلع إلى أفق البحر غير امحدود كلا أتيبحت 
لى الفرصة .. كا لم أستطع أبدًا أن أراه بغير أن أتذكر ما حدث لى فى 
رحلة خريف قت بها فى سنوات شبابى إلى فینیسیا .. وارتبطت 
ذكرياتها عندى بالخريف وأفق البحر المترامى .. فقد انتهت الرحلة فى 
أواخر أيام سبتمبر ووصلت الباخرة المصرية للميناء فحملت إلا 
حقائبى .. ووجدت امامی عدة ساعات خالية قبل ان تبحر الباخرة 
فعدت إلى المدينة العائمة ورحت أتجول فى شوارعها التى أمضيت فا 
٠‏ أيام بلا عمل كأنى الق عليها نظرة الوداع الأخيرة ووقفت لحظات 
فوق أحد جسور المدينة العديدة أرقب قوارب الجندول السوداء .. 
وأسأل نفسى متى يقدر لى أن آراها مرة ثانية .. حين مرت فى فتاة 
خمنت على الفور أنها مصرية .. تحمل حقيبتين ثقيلتين تنوه بها .. فى 
الغربة لا يحتاج المرء لأن يطلع على جواز سفر أحد ليعرف أنه مصرى .. 
ونیا تكن اللمحة العابرة لتتعرف على الملامح المصرية .. ثم يجىء دور 
الكلام .. تأكدت من مصريتها من شكلها ومظهرها وخمنت نها 
تتجه إلى الميناء لتركب نفس الباخرة فاقتربت منها .. وعرضت عليها 
مساعدتها فى حمل إحدى الحقيبتين فوضعتهیا على الأرض .. وتعارفنا 
سریعا .. إنها خريجة جامعية سافرت مع صديقة لها فى رحلة صيف إلى 
۳۷ 


آوروبا وأمضيتا شهرًا ونصف شهر بين المانيا وفرنسا وايطاليا ثم جاءتا إلى 
فيئيسيا لتلحقا بالباخرة .. 

انتهی التعارف وجاء دور الساعدة فاخترت بطرف عینی آصغر 
الحقيبتين نسبيًا وأنحنيت لأرفعها فاذا باحتجاج صارخ من عمودی 
الفقری بعجزنی عن تحریکها .. أحسست بالحرج .. وسألتها مبتسما عا 
فیها فاذا به کتب وزنها ۲۷ كيلو جراما آما الحقيبة الأخرى التى استهولتها 
فليس فیها سوی ملابس خفيفة الوزن نسبيًا ! ! ضاعت فرصة الاختیار 
وأصبح التراجع عارًا .. فانحنيت على الحقيبة ونفخت عروق كا یفعل 
الرباعون واستجمعت شجاعتى وقررت ان ارفعها بطريقة الخطف .. 
وتذ کرت فجأة أن خضر التونى رباعنا الأولبى الذى فاز بالميدالية 
الذهبية فى دورة برلين سنة 1975 قد صرخ من أعاقه بالعربية : 
ديا قوى» ثم رفع رفعته الأخيرة فانطلقت الأكف بالتصفيق وتساءل 
الألمان عا قال البطل الصری - وترجمه لهم المصريون بأنه اسم من 
أسماء الله الحسنى استغاث به ليستمد منه القوة » ففعلت كا فعل خضر 
التوفى واستغثت بالله صامئًا » ثم رفعت الحقيبة فکدت أفقد توازنی 
ومرث الحظات عصيية قبل أن أضبط حرکتی وأستطیع السير ومشيت 
إلى جوارها عدة خطوات مائلا إلى الخانب الايمن » ونقلتها إلى يدى 
الیسری فشیت خطوات اخری مائلا إلى الحانب الیش وتناقلت 
الحقيبة بين یدی طوال الطریق حتى وصلنا إلى الیناء بعد عذاب وحمانا 
الحقيبتين إلى الباخرة وجاست ألتقط أنفاسى .. وجاست الفتاة إلى 
جواری تستریح حتى استردت نشاطها سريعًا ونبضت فسألتها 
۳۸ 


بسداجة : إلى این ؟ لم أندم فى حياق على سؤال وجهته لأحد كا 
ندمت على تسرع لسانی بهذا السؤال .. فقد أجابتنى بأنها ستعود إلى 
محطة السكة الحديد حيث تنتظرها صديقتها مع باق الحقائب لتواصل 
نقلها إلى الباخرة .. وأحسست بالحرج لتوقعها مساعدق ا .. 
وأحسست بأن شهامتی ف الميزان .. لکنی هونت على نفسی الأمر بأن 
أثقل الحقائب قد ثم نقلها ولن تبلغ أى حقيبة أخرى بعض ثقلها .. 
وقلت لنفسى : لا ينال الانسان الذ کر الحسن بغير عناء فيضت متثاقلا 
إلى محطة السكة الحديد مصما على أن أواصل مهمتی إلى اللهاية وفى 
فناء محطة السكة الحديد كاد يغمى على حين ریت صدیقما تقف فى 
الفناء وحوها « دائرة » من الحقائب والصناديق أصغرها اکا من 
الحقيبة البّى ناء بها ظهرى .. وفكرت جديا فى التنازل عن حكاية 
«الذكر الحسن » هذه والنجاة بنفسى .. 
لكنى ۸ أستطع > وانتهى الأمر بأن أمضيت ۳ساعات طويلة 
كليل المعذبين فى رحلات مكوكية بين محطة السكة الحديد والميناء » 
تغيرت على خلاغا الفتاتان عدة مرات ول تفكر إحداههماف أن تدعنى 
فى حراسة ما بق من الحقائب وتخرج الائنتان معا فى نقلة من النقلات 
إلى الباخرة » حتى انتبت المهمة بعد عناء شدید ., 
ودخلت الباخرة وأنا أ كاد احبو على أربع ولا تسلنى لماذا لم تفکروا 
فى استئجار تا کسی .. فليست هناك سيارات أجرة فى فينيسيا تستطيع 
الذهاب من احطة إلى الميناء لأن المدينة عبارة عن قنوات مائية .. 
ولا حل إلا استئجار جندول لنقل الحقائب يتقاضى مبلعًا خياليًا .. 
۷۹ 


والفتاتان وأنا كنا فى ناية الرحلة ‏ والجميع ‏ مفلسین » وهكذا 
افترقنا داحل الباخرة وتواعدنا على اللقاء فوق سطحها عند موعد 
احارها لنرى الشاطئ' وهو يبتعد عنا رويدًا رويدًا .. والتقينا وتناولنا 
شاى العصر.. فى قاعة الطم .. وتحدثنا طويلاً ثم استأذنتهها فى 
الذهاب للكابين فسألتنى إحداهما : ألن تصعد معنا إلى السطح لترى 
«الأوريزو ؟ 

قلت واحسامی بتخدر عضلاق يزداد : نعم ؟ 

قالت : «الأوريزو» .. إنه افضل مشهد فى رحلة الباخرة خلال 
فصل المثريف الذى بدأ منذ أيام وخاصة عند الأصيل .. تساءلت بينى 
وبين نفسى عا تقصده «بالاوریزو » .. إن من معالم الرحلة بين فينيسيا 
والإسكندرية بالباخرة مر جبلى ضيق فى إحدى الحزر تمر به الباخرة 
فتكاد تلمس جدار الممر بذراعك لو وقفت فى شرفة الباخرة .. وقد 
رأيته فى رحلة سابقة .. لكن الباخرة لا تعبره إلا فى اليوم الثالث من 
الرحلة فاذا تقصد بالأوريزو؟ 

أحسست بالنجل من جهلى السیاحی ونبضت معها إلى السطح .. 
فإذا بنا نتجه إلى سور الباخرة لنتطلع إلى البحر المترامى وقرص الشمس 
الأحمر يغطس شيئًا فشيئًا فيه . 
آه .. هذا إذن هو «الأوريزو » أى الأفق بالفرنسية و «هورایزون» 
بالانجليزية .. لقد أعجزتنى الام الظهر والأذرع والأكتاف عن التفكير 
فلم ألتقط معنى الكلمة فى الوقت الناسب .. لكنى تداركت الأمر 
سريعًا وحرصت على إظهار استمتاعى بالشهد فى صحبة فتاتين مثقفتين 
5 


حديئها ممتع إلى أن ألححت عليهما فى الاستئذان واعدًا إياهما بمشاهدة 
المنظر معهها خلال ايام الرحلة الطويلة التی لن نجد ما نفعله فيا سوى 
ات إليه .. 

وأسرعت إلى سریری فلم یض منه إلا فى الصباح وقد تضاعفت 
الام الظهر والكتفين ء فتوجعت وتأوهت وسألنى زمیل فى الرحلة 
الذى اختى طوال رحلا المكوكية والذى بحثت عنه لينجدنى فلم أره 
الا فى الکابین : مالك ؟. > فوعجلات: في اقول له یقن یر 
«الأوريزو » حيموتنى ! 

قصدت أن آقول «ظهری » فأفلت لسانی بهذه الكلمة العجيبة .. 
وتنہت لغلطتی فضحکت ورویت له ما حدث . 

ودعوته للذهاب إليهما لتناول الافطار معها .. وانقضت الرحلة بين 
الحديث مع الفتاتين المثقفتين .. والتطلع الطویل الصامت إلى أفق 
البحر فوق السطح .. وبين ترددى على طبيب الباخرة طلبًا لمسكنات 
الام العمود الفقرى .. حتى افترقنا بسلام فى الإسكندرية .. 

ثم تسألنى بعد ذلك .. لماذا لا أحب الخريف ؟!! ! 


۳۱ 


آنت « بوذا » ! 


لا اعرف لاذا أصبحت «فجأة » هدفا لعشرات الأسثلة من زملاء 
معني ناس ن نعط اورا وجي از انق :قد 
اكتسبت من خلال تعاملى مع هموم الآخرين فى بريد الجمعة خبرة 
تتیح لی أن ابدى اراء معينة فى مشاكل الحياة والحب والزواج 
والشباب » وهکذا توالت على الأسئلة عبر تحقيقات صحفية وإذاعية 
عديدة خلال الفترة الماضية حت فى زيارق الأخيرة للندن حين وجدت 
نفسی جالسًا آمام ميكرفون إذاعة لندن العربية .. ومن خلال الأسئلة 
والأجوبة «ضبطت نفسی» آردد هذه الاراء . 

- هل یعنی استمرار الحياة الزوجية انا بالضرورة ناجحة ؟ 

قلت : الاستمرار وحده ليس مقياسًا للنجاح .. فقد یکون 
الاستمرار تضحية وضريبة يؤديما الطرفان صاغرین من أجل الأبناء 
لكنه يصبح مقياسًا للنجاح إذا كان فى وسع الطرفین لو عاد کل منهیا 
تجربة الزواج أن يختار نفس الشخص !. 

- من أكثر معاناة فى الحياة الزوجية الرجل أم المرأة» ۱. 

قلت : الراة اکثر شكرى من حیاتپا سواء اكانت اكت معاناة او 


نض 


أقل .. والرجل أكثر صبرًا على آلامه وأكثر تحملاً لظروفه فان شكا فان 
شكواه تكون غاليًا أكثر عمق وأكثر إيلامًا . 


تنا چا يننا 


- ماذا ینقص بيوتنا بوجه عام ؟!. 

قلت : الحب .. فالزواج فى اجتمعات الغربية مشروع لا یقوم الا 
على الب ولا يبرره سواه ۰ أما فى محتمعاتنا فهو فى كثير من الأحيان 
مشروع تحركه رغبة الشاب فى الاستقرار ورغبة الفتاة فى الستر » وهی 
دوافع شريفة فى حد ذاتها لكنها وحدها لا تکنی لضان السعادة خاصة 
حين تلح على أحد الطرفین فتدفعه الاقدام على مشروع الزواج بدون 
دراسة كافية للطرف الآخر واحیانا بلا محرد القبول اللفسی له وهذه 
كارثة تفرد بها مجتمعاتنا .. حين بری کثبرون مؤشرات الفشل واضحة 
خلال فترة الخطبة ثم یستمرون ف الشروع كأنه قدر مکتوب لا حيلة 
لهم فيه أو كأنهم يسيرون نيامًا إلى مصير لا يستطيعون دفعه .. 
والنتيجة .. مزيد من البيوت الخالية من الحب وكثير من المشاكل !. 

يد نا ينا 

- ما هو أبشع أخطاء الفتاة والشاب قبل الزواج ؟ 

قلت : إنهما لا يحيدان فى بعض الأحيان اختبار الرفيق المناسب 

- وبعده ؟ 

قلت : انیا لا مجیدان فن الاعتذار لأن كثيرًا من مشاکل الحياة 


۳۳ 


الزوجية خاصة فى سنواتها الأولى وهی أصعب مراحلها يمكن حلها 
ببساطة بكلمة اعتذار رقيقة من أخطأ فى حق شريكه لکننا للأسف 
لانجيد هذا الفن وقد نشعر بالخطأ الذی ارتکبناه لکننا لا نعتذر 
ومعظمنا يتصور أن الاعتذار يتنافى مع الكرامة .. والعكس هو 
السحیح ماما لأن من يعتذر عن خطثه يعتز بكرامته ويألى عليها أن 
يكون إنسانًا مكابرًا أو جاح أو ظالمًا .. والانسان الکرم هو من 
يصفح الصفح الحميل وينسى » وف غيبة الاعتذار والقبول تتفاقم 
المشاكل وتترسب الرارة فى النفوس فيرحل طائر الحب عن عشه .. 

ما هى أصعب نصيحة توجهها لصاحب مشكلة يستشيرك ؟ 

قلت : الطلاق .. إذا كان عنده أطفال صغار لأن الأبناء هم 
أشرف دوافع استمرار الزواج ولو كان تعيسًا .. 

- وأسهل نصيحة ؟ 

قلت : الطلاق أيضًا ۱۱ إذا استحالت العشرة ولم يكن هناك 
أطفال صغار .. يبررون تحمل الانسان لاقداره 1. 


تين ينا نا 


- ماذا استفدت من معايشتك لشا کل الآخرين وهمومهم فى بريد 
الجمعة ؟ 

قلت : تعلمت ألا أشكو من كثير مما كنت أشكو منه قبل تعامل 
مع هموم الآخرين ومعایشتی ها 4 فقد وجدت مشاكلى تبدو كرءوس 
الدباپیس إلى جانب الشا کل الاخری التى ترتفع كالجبال .. فتعلمت 


۳۶ 


أن أرضى وأن أشكر الله على كل شىء کا استفدت من تجارب 
الآخرين دروسها فكأنما عشت حياتهم واضفتا إلى حياق .. أوكأنا 
حققت حلم عيسى الدباغ بطل رواية السمان واخریف لنجيب محفوظ 
الذى تمنى لوكان الانسان يستطيع أن يعود إلى الحياة أكثر من مرة لکی 
يحسن التصرف فہا مسلحًا بالخبرات التى اكتسبها فى «حواته» 
السابقة 

- ماذا يؤثر فيك أكثر دموع الرجل أم دموع المرأة ؟!. 

قلت : دموع الرجل .. لأن البكاء مخالف لطبيعته فإذا بكى 
امامى وهو يروى لی مشكلته كان ألمه فوق أن يُحتمل وكان ألمى معه 
أشد !. 

ما هی أفضل وسيلة للانتقام من يسيئون الینا ؟۱. 

قلت : هو ألا تصبح مثلهم .. نتجنب أن نسلك نفس سلوكياتهم 
المريضة فى حياتنا ونترفع عن الرد عليها ليزداد شعورهم يحقارتهم وتفاهة 
شأنهم واحراف أخلاقياتهم وهذا الاكتشاف ليس جديدًا فقد اهتدی 
إليه الامبراطور الرومانى الحكم ماركوس أورليوس (۱۲۱ - ۱۸۰ 
ميلادية ) وسجله فى مذ كراته وهو مهموم بتجاربه مع الالتواء البشرى 
وحقارة تصرفات البعض !! 

ما هی أسعد لحظة عندك ؟ 

قلت : لحظة «التنوير » ال تنفرج فيها عقدة الأزمة وتجد المشكلة 
فيها الحل الذى يرضى صاحب المشكلة أو صاحبتها .. فهى من 
اللحظات القليلة التى بحس الانسان فيها أن لحياته معنى ويتأكد فيا 

۳۰ 


يقينى بأن الخير فى الحياة هو الأصل وأن الشر هو الاستثناء وان كان 
استثناة مزعجا !. 
لنت با نت 

- كيف يستطيع الإنسان أن يجعل لحياته قيمة إذا كان لا يملك 
جامًا يخدم به الآخرين ولا مالا يساعدهم به ؟ 

قلت : عند الشاعر أمادو نرفو قد تجد الحواب .. فهو الذى قال : 
فى کل ساعة من ساعات النبار تستطيع أن تجود بشیء للآخرين .. قد 
يكون ابتسامة فى وجوههم وقد يكون يدا تمدها لمصافحتهم وقد يكون 
كلمة تواسيهم بها أو تشد بها أزرهم . 

وعند الشاعر والفیلسوف الأمريكى رالف أمرسون (۱۸۰۳ - 
) جواب آخر هو كن دائمًا رسولاً يفتح الأبواب لمن يأق 
بعده .. ولا تحاول أن تجعل من الدنيا طريقًاً مسدود] . 

- من هو الشاب المثالى فى رايك ؟ 

قلت : هو «بوذا» الذی یتطلع إلى آن یکون «سید هارثا» . 

وا من هن ۶ 

قلت : كلمة «بوذا» معناها الحرق فى اللغة السسكريتية 
«الستنیر » وكلمة «سید هارثا معناها : الذى بلغ أمله «وبوذا» هو 
اللقب الذى اشر به الزعيم الديى افندی الذی أسس مذهب البوذية 
فى القرن الأول قبل الیلاد . 

و وسيد هارثا» هو امه الأصلى .. وكل شاب مستنير يتسلح بالعلم 


۳۹ 


والثقافة وبالقم الدينية والأخلاقية ويحترم حرية الآخرين واراء‌هم 
ويتقبل النقد بصدر رحب وعلى استعداد لأن يستفيد من آراء الآخرين 
وان يرى فما الصواب ويسعى بالكفاح والعرق والصبر إلى تحقيق 
آ هدافه ی الحياة سوف يصبح «سید مارثا, ذات يوم فيجمع بين 
المعرفة والسعادة وبين راحة القلب وراحة العقل والضمير.. قل .. إن 
شاء الله !. 


۳۷ 


اضدك بصوت عال ! 


هل تريد أن تعرف أحدث طريقة للسعادة وتجنب الاكتئاب 
وأمراض القلب والشرايين والقرحة والأرق ؟! سأقدمها لك بلا ثمن : 
اضحك بصوت عال إذا ابنجت وإبك بلا حياء إذا أهمّك شىء .. 
واشك همك لن تستريح إليهم فان ۸ تجد فسجله على الورق .. أو 
بالريشة .. أو على شريط كاسيت .. واهزم همومك باخراجها من 
مكانها إلى الحواء الطلق .. وطهر قلبك من الكراهية والرغبة فى الانتقام 
من أساءوا إليك .. وعش حباتك باعتدال .. فلا تسرف ف التفكير فى 
المستقبل على حساب الحاضر.. ولا تتعامى عنه نهائيًا .. 

هذه هی روشتة السلامة النفسية » التى توصل إليها الأطباء وعلماء 
النفس بعد دراسات طويلة ولو أمعنت التفكير فیها لوجدت أن أصغر 
طفل ف العام قد اهتدى إليها بلا دراسات ولا بحوث .. فالأطفال 
سعداء لأنهم يعبرون عن مشاعرهم بتلقائية لا تضع اعتبارًا للقيود 
الاجا عية التى تلقف حول أعناقنا » فهو إذا ابتیج ضحك بصوت عال 
وی أى مكان .. وإذا تألم بكى بصوت أعلى وف أى وقت .. ولیس له 
باطن وظاهر وما فى قلبه على طرف لسانه وفوق تعبيرات وجهه فإذا 


۳۸ 


أحب إنسانًا ابتسم له وإذا كرهه عبس ف وجهه لأنه غير مضطر إلى 
محاملة أحد أو اخفاء مشاعره .. ثم هو وهو الأهم لا یکره اخ 
كراهية عميقة أو دا ئمة .. فكراهيته مؤقته قد لا تستغرق دقائق وصفاء 
نفسه دانم هذا فهو سعيد .. لأنه:طفل أو لأنه فيلسوف أدرك ما لم 
ندرکه نحن من اسباب السعادة !. 
والمشكلة فى رأبى ليست فى أن نضحك حين نريد .. لكن المشكلة 
هى فى أن نبكى وأن نشكو همومنا لنطلق بخارها المكتوم من صدورنا 
ونستريح .. فنحن فى عصر كل إنسان مرا بأمره عن 
الآخرين .. ولو جلس إنسان على الرصيف وأعان أنه سوف يسمع 
للاخرین مومهم ونجواهم بلا أجر وبغير أن يبذل جهد! سوى السماع 
واظهار الاهيام والشاركة الوجدانية لوقف الناس فى طوابير آمامه 
ینتظرون دورهم .. لكن جرد الاستاع للآخرين قد أصبح شيئًا عزيز 
النال فى بعض الأحيان لهذا يشكو القادرون لأطباء اللفس فى مواعید 
محددة وبأجر معلوم .. ويشكو الآخرون إلى الله فى صلاتهم وال 
الأولياء .. وال آبواب البريد فى الصحف .. 
وشكا الحوذى العجوز فى قصة تشيكوف الشهيرة إلى حصانه حزنه 
على زوجته وألله لفراقها بعد أن لم جد من يسمعه .. ورأيت ذات مرة 
فى ضريح السيدة نفيسة رجلاً وقورًا يضع يده على قضبان الضريح 
العدنية ویشکو ها ابنه فيقول .. عقنى ابنى .. أيرضيك هذا ؟.. رفض 
نصیحتی وخالف إرادق أبرضيك هذا ؟.. يريد أن يباجر ويتركنى 
وحيدًا فى شيخوختى .. أيرضيك هذا ؟ ثم انسابت دموعه صامتة 
۳۹ 


وقاومت أنا دموعى .. ولولا الحياء لطلبت منه أن يفضفض عن مومه 
فى وان سکن على راحته حى بشت .. 

والكاتب الكندى ستيفن ليكوك 18599 ۰۱۹44 يقول إن 
قيمة الحياة فى أن نحياها وسا كل ساعة منبا .. فتلبس لكل حال 
رداءها فنعمل كالنحلة وقت العمل .. ونسترخى كمهراجات اهنود 
الذين تتهادی مراوح ريش النعام بالحواء الرقيق على وجوههم عند 
الراحة .. ونضحك حن تجد ما بجا .. ونبکی ن تولنا اشوا 
الحياة » ونتعامل مع الآخرين بنفسية الطفل الذی يحب الجميع 
ولا یکره إلا قليلاً ولأوقات عابرة .. ونحول ألمنا إلى ألم مهموس لأن 
الألم الکتوم أشد ضررًا بالنفس والصحة من الألم الهموس الروی 
للآخرين » وألا تنصور إزنا وحدنا فى مشا كلنا ومتاعبنا وطموحنا الذى 
تعجزنا الوسائل عن تحقيقه أحيانًا فلكل إنسان من همه ما يكفيه ومن 
سعادته هايرضيه کا قال صادقا الفقيه الدستورى عبد الرزاق 
السنهوری » ولقد ذكرت فى مقدمة كتابى الأول «أصدقاء على الورق » 
الحوار الذى أورده الكاتب الفرنسى الكبير اندريه مالرو فى مذ كراته 
حين قال : سألت القس الذى أمضى ١١‏ سنة يتلق الاعترافات ماذا 
تعلمت من اعترافات البشر فأجاب : تعلمت أن الناس اتعس كثيرًا ما 
نظن 11 

واكتفيت بهذا الجزء منه .. ولا أعرف لاذا تجاهلت بقية إجابة 
القس على السوال وهی «وانه ليس هناك أشخاص كبار !) » وحين 
عدت إلى هذا الحوار منذ فترة قريبة توقفت أمام هذه العبارة 


35 


متعجبًا .. نم ليس هناك أشخاص كار لأننا جميعًا صغار أمام 
هومنا وى أعين أنفسنا .. ولايرى أنفسهم كبارًا سوى الحمق 
والمغرورين والمصابين نون العظمة » وأنت لست واحدًا من 
هزلاء .. ولا أنا فيما أرجو » هذا يقول لك الشاعر المندى العظم 
رابندرات طاغور ٩۱۹۶۱  ١85١(‏ اعت فى الناس عن 
مزاياهم .. وأمحث فى نفسك عن عيوبك تكن أحكم الناس .. 
وأقول لك أنا أيضا : اضحك وابك واعمل واسترح وتحرك واسترخ 
ولا تکتم سعادتك ولا الامك .. وثق بربك واعتمد عليه ولا تبخس 
نفسك حقها ولا تسرف فى تقدیرها ونم وقنًا كافيًا واستمتع بالقراءة 
والموسيق وصحبة أصدقاء القلب والنفس والروح الحانب 
الهج من الحياة وتعامی عن الجانب انز منها تكن أسعد الناس أو 
تكن طفلاً كبيرًا سعيدً) .. أو طفلاً فیلسوفّا .. ولا تخجل من سعادتك 
ولا من دموعك .. فاضحك بلا تردد وابك بلا حجل اذا تكاثرت 
سحب الحموم داخلك فالدموع تغسل العيون وتنظفها وتغسل الروح 
وتحميها من أدران الاکتثاب .. ولا اعرف كيف تنه الشاعر العربى 
ابن الرومى هذه الحقيقة الى يؤكدها الآن علماء النفس فقال منذ 
لم يلق الدمع لامرىء عبثا 

الله أدرى بلوعة الحزن 


وقال شاعرنا الكبير حافظ إبراهم : 


یامن خلقت الدمع لطفًا منك بالباکی الحزين 
بارك لعبدك فى الدموع فإنها نعم المعين ۱۱. 
فإذا كان الأمر كذلك .. فلاذا تكم ضحكتك دائما .. ولاذا 
تحبس دموعك غالبا ؟؟. 


۲ 


لبالى « التلج » ۰ قص قبينا ! 


سامح الله الأدباء والمفكرين والفنانين الذين أحیناهم ... 
فشحططونا وراءهم فى الحوارى والشوارع !. 

فنذ أحببت القراءة وأحببت عددًا كبيرًا من الكتاب والأدباء 
والفنانین | كتسبت هواية غريبة هی أن أحاول أن أرى الأماكن التى 
كتبوا عنها .. والبيوت التى عاشوا فا ... والمقاهى التى جلسوا فيها » 
وأصبحت للأماكن والأشياء قم مختلفة عندى لا علاقة لها بقيمتها 
الحقيقية فالقهی القديم الذى قد تأنف من فكرة الجلوس فيه بالقرب 
من دار الكتب المصرية .. أطوف به آنا کالعابد لأن شاعر النيل حافظ 
إبراهم كان مجلس فيه فى عشرينات القرن وهو وكيل لدار الكتب 
يدحن الشيشة ویطلق النكات . 

والحارة المتربة التى قد تتأفف من عبورها اتجول أنا فيا هام .. 
لأنها الحارة التى اختارها نجیپ محفوظ مسرحًا لأحداث قصصه الرائعة 
بين القصرين أو السكرية أو قصر الشوق . 

أما السعى وراء بيوت هؤلاء الأدباء .. وانفاق الساعات الطويلة 
فى البحث عن الربع الذى أقام فيه طه حسين وهو يطلب العلم فى 


۳ 


الأزهر.. أو البيت الذى أمضى فيه العقاد سنواته الأخيرة .. أو 
«الكرمة » التى عاش فيا أمير الشعراء أحمد شوق .. إلخ .. فحدث 
عنه ولا حرج فلقد استنفد من أيامى الكثير ومازال يستنفد ما بق منها 
وحين سافرت إلى أوروبا لأول مرة ورست الباخرة فى ميناء بیربه 
اليونافى هبطت إلى الميناء متبيبًا .. وركبت الأتوبيس إلى اثينا وأنا ميهور 
الأنفاس ... ونزلت إلى شوارعها فى حرص وادب يليقان بأرض 
الفلاسفة الذين قرأت عنهم وأحببتهم .. وطفت باثار الدينة آتلفت 
حولى کا لوكنت سألق فى طريق الفيلسوف العظم سقراط .. يسير 
حافيًا وجلیابه مفتوح اا ومن حوله هالة من المريدين ... وهو 
يجادلهم ومجادلونه ..! او کانی سوف التق بديوجين حاملا مصباحه 
وكلا ستل عا يبحث عنه بمصباحه فى ضوء الشمس أجاب ذاهلاً : 
أبحث عن رجل شريف ! وحين سافرت إلى باريس لأول مرة كان أول 
ما محثت عنه هو المقهى الذى كان يعقد فيه الأديب والفیلسوف 
الفرنسی جان بول سارتر جاسته الأسبوعية .. وإلى جواره سيمون دی 
بوفوار وتلاميذه الكثيرون ودفعت من هذه الواية الغريبة غاليًا ذات 
يوم فقد بشرفی صديق مصرى مقم فى باریس تليفونيًا بأنه عثرلى على 
كنز يعرف أنى سأسعد به هو فندق صغير فى ای اللاتينى يعلق لافتة 
تقول إن الفنان العالمى بيكاسو أقام فى هذا الفندق ذات يوم .. 
فأسرعت أرجوه أن يحجز لى غرفة فيه وأن يدفع عنى ايجارها مقدمًا قبل 
أن تضيع ثم تركت فندق النظيف الرخيص وحملت حقيبتى واسرعت 
بالتا كسى إليه فوجدته بقف مزهوا باكتشافه إلى جوار الفندق ودخلته 


1 


معه وقرآت اللافتة وأتا فى فة النشوة ... وأخذت مفتاح الغرفة فى 
الدور الرابع وصدمتنى راحة تقلية صادرة من مطبخ الفندق افسدت 
على بعض خيالى .. لک لم أستسم .. وشکرت صدیقی محرارة 
وسددت ديى المادى له .. آما دينى «الأدبى» فهيبات أن أستطيع 
سداده 5 ودعته ونحثت عن المصعد فلم أجد بالفندق مصعدا 
واضطررت لحمل الحقيبة الثقيلة على السام الضیق اربعة آدوار 
وصدمت مرة أخرى برثائة الغرفة وضيقها وانخفاض سقفها 
والقذارة المنتشرة فى كل مكان من الفندق .. وتعجبت لذلك وكل 
فنادق باريس نظيفة كالجوهرة لکنی م آفکر ق الراجع فكله يبون فى 
سبیل بیکاسو وهذه امواية اللعينة ؟. 
ونی لندن ضاق فى سائق التااکسی وأنا أطلب منه الانتقال من 
شارع إلى شارع ومن حارة ضيقة إلى أخرى لكى أرى ای الذى 
جرت فيه احداث ث قصة دیکنز الشهيرة «أوليفر تویست» وأتخيل الصبى 
اخروم الذى لاطمته الدنيا ولاطمها فسألبى بحدة .. إلى أين تريد أن 
تذهب يا سید .. آريد عنوانا عدم أنرلك فة وانصرف ,© فخشیت 
أن يتركنى وحيدً فى ای البعید .. واسرعت أطلب العودة وعدت !. 
وحين زرت فيينا لأول مرة منذ عامين .. لم يكن فى خيالى عنها 
سوى أسماء أعلامها البارزين كالأديب ستيفان زفايج وعالم النفس 
سیجموند فرويد والسياسى الشهير ميترنيخ .. وأعلام الموسيق الذين 
آهدتهم للبشرية موزار وليهار وشتراوس وفتجنشتين وغيرهم ثم صدى 
لأغنية قديمة شهيرة لاسمهان تقول فبا «لبال الأنس فى فینا - نسیمها 
ه‌: 


من هوا الجنة» .. فخرجت من مطارها أمحث عن هواء الجنة .. 
وتجولت فى شوارعها ينا عن آثار الامبراطورية القديمة التى عرفت باسم 
امبراطورية النمسا وآثحر.. ! 

وف قصر الشنبرون الذی بق مع غيره من القصور من آثار العز 
القديم انبيرت بالذوق الامبراطورى الرفيع .. وأمام أوبرا فيينا الشهيرة 
وقفت کالتبتل ... وأنا أتذكر عبارة شهيرة تقول إنه ليس فى النمسا 
طوابير أمام أى سلعة او خدمات سوی طابور الواقفين أمام شباك تذا كر 
الأويرا . وسألت عن ليالى الأنس الشهررة فلجابنی صديق المقم فى 
النمسا بأن فى إحدى ضواحى فینا حًا كاملاً امه جرنسنح ليس فيه 
سوى مطاعم تقليدية قديمة عمرها أكثر من مائتى سنة وترتدى فيا 
الجارسونات الملابس الفسوية الشعبية القديمة الزاهية الألوان ويؤمها 
السياح من كل أنحاء العام فى مجموعات كبيرة فيأكلون ويشربون 
ويغنون ... ومن هذا الحى جاءت شهرة ليالى فيينا فقلت له وأنا 
أتحرك .. وماذا تننظر؟ 

وفى مطاعم جرنسنح رأيت سياح العالم كله .. يأكلون البط 
بالبرتقال ويغنون وبمرحون ... وش أحد هذه المطاعم التى تدار 
بالكبيوتر لكثرة عدد روادها سألتنی الجارسونة الرهقة متعجلة : أبيض 
أم أحمر ؟ 

وفهمت بصعوبة نها تسألنى هل تريد النبيذ أحمر أم أبيض لأنها 
تفترض أن الجميع يشربون النبيذ مع الطعام .. فضحكت وقلت : بل 
أسود tes‏ فقطبت حاجبهها ولم تفهم » فقلت أى زجاجة کوکا کولا 


مع الطعام .. فانطفاً حاسها وتلقت طلب الطعام وهى مكتئبة وأكلت 
البط بالبرتقال وأنا مبتهج !. 

وقلت لفسی وانا آغادر اللمسا يومهاات انبا فلا اا 
الأنس ... فهی جميلة ونظيفة .. وغنية ... وسکانا السبعة اللایین 
ونصف اللیون صنعوا معجزة فى سنوات قليلة فاقد ضمها هتار إلى 
بلاده بلا مقاومة سنة ۱۹۳۸ ثم احتلتها آمریکا وروسیا وبریطانیا وفرنسا 
بعد هزية آلانیا سنة ۱۹6۵ عشر سنوات » ثم استقلت‌سنة ۱۹۵۵ 
واعتمدت سياسة الحياد من بومها .. وتمکنت خلال السنوات التالية 
من إعادة بناء اقتصادها فاصبحت دولة صناعية نشطة . 

وحين زرت النمسا فى الشهر الاضی .. حلمت مرة آخری بهجة 
ليالى الأنس التى داعبت خيالى من قبل فا کتشفت أن الزيارة الأول 
كانت فى الصيف ... والسماء مضيئة والشوارع مزدحمة .. والجو 
صحو ... وأن زيارق هذه فى ديسمبر والسماء تحجبها الغيوم والبرد 
قارس والشوارع خالية .. والثلج يعرقل ا حركة ويعتقل الناس فى 
الکاتب والبيوت ودرجة الرارة تداعب الصفر هبوطا وصعودًا کل 
يوم .. ولیس ف الشوارع سوی منظر يوجع القلب وهو منظر الشباب 
المصر بين الذين يبيعون الصحف ویرتدون اما کت الأصفر المیز لكل 
صحفة ومعظمهم من حملة المؤهلات التوسطة .. وبعضهم استراح 
إلى حياته هکذا فأمضى ١5‏ عاما فى الهنة ومازال برغب فبا 
بلا طموح ولا تخطيط للمستقبل فان كان نة ما يعوض هذا المشهد 
الكثيب فهو وجود بعض العناصر الناجحة فى الجالية المصرية الذين 


۷ 


حققوا نجاحا مشرقًا لپلادهم . ولأن البرد قارس نلقد آمضیت آیامی 
بفبينا فى لقاءات عمل مكثفة فى النهار من مكتب إلى مكتب ومن مبنی 
الي . والمملق جاف .. والبرد يحمدٍ الأطراف .. والأذنان أعلنتا 
الاستقلال عن باق الجسم فلم تعد تربطها به صلة . .. وق الليل فى 
الفندق بلا رغبة فى الخروج . . أما هوايق إياها فلم أستطع اشباعها فى 
هذه الرحلة وفشلت محاولاتی المتكررة فى مدينة سالزبورج لزيارة بيت 
موزار عبقری الموسيق الذى ألف أوبرات زواج فيجارو و «دون جوان » 
والناى الساحر والاف القطع الموسيقية الصغيرة ... ولم يعش رغم ذلك 
سوى ۳۵ سنة من ۱۷۵5 إلى ۱۷۹۱ وقضى معظمها فى حياة جافة 

لششفة متقشفة ومثقلا بالدیون رغم کل هذا الانتاج الضخم وقد فشلت فى 
العثور على بيته الذى حولوه إلى متحف بالرغم من أن سائق التا کسی 

قد أشار إليه وهو منطلق بنا فى إحدى الزيارات وقد عدت فى اليوم 
التالى إلى نفس المنطقة أبحث عن بيت موزار فإذا به سراب أراه من 
بعيد .. فأتوجه إليه فوق اليد الذى يغطى الشارع ویهددفی بالسقوط 
فى کل حظة فإذا طرقت بابه | كتشفت اله لبس بيت موزار لكنه معهد 
موسيق حمل اه أو قاعة لسماع الموسيق باسمه .. أو مكتبة موسيقية .. 
وهكذا .. حتی ست وعدت .. واكتشفت أن مبافى كثيرة تحمل اسم 
الموسيقار 07 . حتى إن بعض أنواع الشيكولاته تحمل امه 
وصورته ... أما بيته الحقيق فلم اهتد إليه إلا بعد منتصف الليل والبيت 
مغلق وعلى أن أغادر سالزبورج فى الصباح الباكر فعدت إلى فیینا محبطًا 
لأنى لم أزر بيته ولم أعثر على لبالى الأنس الشهيرة .. التى تحصل على 


1۸ 


إجازة فى الشتاء القارس ... وقبل أن أغادر فيينا سألنى صديق مصطنی 
ونحن نغادر احد المكاتب بعد لقاء عمل : أعجبتك النمسا ؟ فقلت 
بلا تردد : ممتعة صيفًا .. جميلة بلا ببجة ولا روح شتاء لكن هناك 
شيئًا بحيرنى فسألنى عنه ففكرت طويلاً نم قلت له مستحييًا هيه «قهرة » 
كلمة عيب فى النمسا؟ 

وأجاب مندهشا : أبن .. لاذا؟ 

فزفرت وأنا أقاوم البرد والصداع وقلت له : 

أمال ما حدش جاب سيرتها ليه فى كل المكاتب الى دخلناها ! 
وركبت الطائرة عائدًا إلى دفء القاهرة !. 


1۹ 


لسانك سكر 


خحذها نصيحة منى .. 
إذا استطعت أن تخرج لسانك كل صباح من فك ثم تغسله جيذ 
وتنقعه فى مطهر قوى لمدة دقائق .. ثم فى محلول للسكر لمدة نصف 
ساعة ثم تعيده إلى فك قبل أن تخرج للحياة وللناس .. فافعل 
ولا تتردد | . 


0 


فكل ما حولك يؤكد لك أن هلاكك ف لسانك .. إذا كان مرا 
علقمًا » ونجاتك فيه أيضًا إذا كان حلوًا مستطايًا ۱. 

والحككة البوذية القديمة التى تقول إن مفاتيح الجنة .. هى نفسها 
التى تفتح أبواب الجحم » قد لا تنطبق إنطباقا تاا إلا على هذا العضو 
اللعين الصغير من أعضاء جسمك .. فهو يستطيع فعلاً أن يفتح لك 
أبواب الجنة فى علاقانك مع الاخرین ویستطیع آیضا أن يفتح 
عليك أبواب الجحم معهم 

ل ل 
يبنئونها فقال الجار الأول .. يا له من طفل جميل . لاشك أنه سيكون 


8 ۰ 


قائدًا عظيمًا ... فانهالت عليه الأسرة بالشكر والثناء وقدموا له الشراب 
وانصرف راضيا . 

وقال ال جار الثانى : يا له من طفل رائع .. لاشك أنه سوف يصبح 
تاجرًا ثرا وشخصًا مرموقا .. أما الجار الثالث فقد نظر للطفل ثم قال : 
هذا الطفل سوف يموت ! فقامت عليه الأسرة تضربه وتطرده - وخرج 
مهانًا مطاردًا مع أنه لم يقل سوى ا حقيقة لأ نكل مولود لابد أن يموت 
يومًا ولو بعد مائة سنة .. لكن أى حقيقة .. وف أى مقام .. وما هى 
ضرورتها فى مثل هذه المناسبة السعيدة !. 

وسلمان الحكم كان يقول إن الجواب اللين يصرف الغضب وصدق 
فیا قال .. فعظم مشاكل الإنسان مع الآخرين تنشأ حين ينسى هذه 
الحكمة الغالية .. 

وف الموسيق هناك أسلوبان معروفان لعزف الأعال الكلاسيكية .. 
الأول هو.. «الکریشندو » وفيه تتصاعد الموسيق بسرعة .. وكلا 
رفعت مجموعة من الآلات صوتها ردت عليها احموعة الأخرى برفع 
درجة الصوت إلى أعلى منها .. وهكذا حتی تشتبك الآلات فى مشاجرة 
عنيفة يصل فا الصوت الصاخب إلى أقصى مداه وتنتبى اللحظة 
المتوترة بدقة «الدونج» النهائية . 

والثای هو اسلوب «النيانس » وفیه «تتخافت » اصوات الالات 
تدريحيًا .. وکا خفضت مموعة من صوتها ردت عليها احموعة 
الأخرى بتخفيض صوتها لستوی أقل حتی يتلاقيا معا فى أدنى درجات 
الصوت .. فى حوار حالم شاعرى رقيق يريح أعصاب المستمعين .. 


اه 


ويحبس أنفاسهم من التعة .. والخشوع والنيال !. 

ومعظم مشاکل الانسان مع الا رین تنبع من تفضيلهم 
لأسلوب الکریشندو فى معاملاتهم الخاصة والعامة فلا يستريحون 
ولا يريحون . تطيش كلمة من فم الزوج مثلاً .. فلا تمتصها الزوجة 
وتحتويها بعتاب رقيق .. وإنما ترد عليها بكلمة أشد طيّشا .. فيرد 
الزوج بكلمة أكثر عنقا .. فیتلاحم الصوتان فى « کریشندو » متصاعد 
ينهى بدقة د الفظيعة الى تنهال فوق راشا . آو فوق رءوس 
آولادهما معا 

قفن 5 قد قدت ين الاأصدقاء .. وزملاء العمل .. وبین 
الارة ف الطربق .. مع أن «النیانس» اجمل .. وأکثر رقة وأقرب 
للشاعرية .. وأحقن للدماء وابق للمودة بين الناس . 

«وسوء الخلق شوم » كا قال الرسول الصادق الکرم ومن أكبر 
مظاهر سوء الق سوء اللسان .. ومرارته وشدته على الاخرین . 

وبعض قذائف اللسان أشد إيلامًا من وقع السام الهند وما أكثر 
ما اثبارت صداقات .. وتهدمت بیوت بسبپا هذا تضحنا اكا بال 
نسرف فى الکلام .. لأن الاسراف فيه يقودنا إلى العثرات .. وال 
الهالك .. فقال ابن عباس «إیا کم وفضول الكلام» وقال الفیلسوف 
الاغريق زینون «لنا أذئان اثنان ولسان واحد لكى نسمع أكثر مما 

. ) 

وقال الشاعر العری : 
جراحات السنان ها الثثام ولا يلتم ما جرح اللسان 
۲ه 


وكان المهاتما غاندى يصوم عن الکلام یوما واحدًا كل أسبوع يعفى 
فيه لسانه من الکلام .. ویطلق العنان لطاقاته الروحية وتأملاته 
الداخلية . 

والكلام الكثير.. لا يورد الانسان موارد التبلكة فقط .. لكنه 
يؤخر الحياة أيضًا .. لأنه كلا كثر التکلمون قل العمل .. وكلا كثر 
الصامتون زاد العمل وارتقت اللحياة فالعاملون دائمًا أقل کلام من 
هواة الكلام العاطلين .. والمتكلمون الحبابرة أقل الناس إنتاجًا .. 
عاد وها للآخرين . هذا قال الامام أحمد بن حنبل : لا يفلح 
صاحب کلام أبدًا وهذا صحيح .. فصاحب الكلام لا يفاح .. 
ولا يستريح .. ولايدع غيره يستريح .. ولا يدع الآخرين فى هدوء 
ولقد عاقب الإسلام على قذائف اللسان عقابا شديدًا فأقر حدّ القذف 
على من يرمى امحصنات زور فى شرفهن .. واعتبر جرم اللسان هنا 
جريمة يستحق عليها مرتكها عقابا قاسيًا . 

وفى رواية «قدر الانسان» للأديب الفرنسی العالی اندر به مالرو 
يقول بطل الرواية : إنه لابد من تسعة أشهر لصنع إنسان .. ثم تكفى 
دقيقة واحدة لقتله .. ثم يعلق على ذلك بأنه حتى هذه الشهور التسعة 
لا تکنی لصنع إنسان ناضج وإنما يحتاج الأمر إلى خمسين سنة على 
الأقل لصنع إنسان يستطيع أن يتعامل مع الحياة . ومع ذلك تكى 
دقيقة واحدة لقتله ! . 

ومن اسف أن هذه الدقيقة قد تأق أحيانا من ضربة لسان أحدٌ 
من ضربة السيف 1. 

ون 


وأشهر من لق مصرعه بسبب قذيفة كلامية طائشة هو ملك الشعراء 
العرب التنی . 

فلقد هاجمه قطاع الطرق ففر هاربًا فقال له رفيق له مفلوت 
اللسان : كيف تفر وانت القائل : 

الخيل واللیل والبيداء تعرفی 
والسیف والرمح والقرطاس والقلم 

فأحرج التنی .. ولوی عنق حصانه وعاد إلى قطاع الطرق وقاتل 
دون ماله حتى فتل !. 

أرأيت إلى أى حد يمكن أن تكون الكلمة قاتلة .. بنفس الدرجة 
التى يمكن أن تكون بها مرطبة لآلام الإنسان ومداوية لجراحه ؟ 

إنه هذا العضو الصغير اللعين الذی يتحرك داخل نجويف الفم 
والذى أطاح بأصحابه فى بعض الأحيان .. وفتح لحم أبواب السعادة 
والمحد فى أحيان أخرى . 

والفارق دائما هو فى نوع الحلول الذى تغمس فيه لسانك كل 
صباح .. 

فاذا تختار للسانك يا صديق بعد كل ذلك » محلول السكر.. أم 
نقیع الحنظل ؟. 


o4 


حلم حباخ بارد ! 


جلست إلى مكتى لأكتب مقالى الشهرى . أفضل أن أحتجب فى 
البيت بعيدًا عن زحام مكتب العمل وضجيج الزوار وانتبز عادة فرصة 
غياب الأبناء فى الدرسة لأكتب فى هدوء الصباح . أعددت أوراق 
ورحت أقلب فى صفحات الكتب المحيطة ى من كل جانب وأدور 
ببصرى فى اللوحات المعلقة حولى عسى أن تلهمنی بفكرة جديدة . 
تذ کرت فجأة الفیلسوف الفرنسى رينيه ديكارت الذى كان عضی 
أوقات مرضه ف فراشه يقوم « بأسفار ذهنية إلى الماضى » ليحدّث «أنبل 
الناس فى سالف العصور » فلمعت الفكرة فى خاطرى .. لماذا لا أقوم 
أنا أيضًا بأسفار مماثلة .. وما أكثر «أنبل الناس» الذين قرأت عنم 
وأريد أن أحدثهم واستفسر منهم عن أشياء كثيرة . استهوتنى الفكرة .. 
فركبت صاروخ أفكارى وطرت إلى القرن الأول المجرى .. فرأيت 
سيد الق أجمعين حين جاءه نصر الله يدخل مكة التى أخرجته منتصرا 
فى جحافل جيش المسلمين .. فلا يهزه النصر الکبیر .. ولا تغريه قوة 
المسلمين بالبطش بن اذوه وحاربوه وإنما رأيته تمامًا کا روى 
المؤرخون يدخل مكة فى عشرة الاف مقاتل وهو فوق راحلته وقد انحى 


علیها تواضعًا لله وعبودية له .. ودمعه تترقرق فى عينيه شکرا لله الذى 
لاح غيره فيعفو عمن حاربوه وأذوه ويلوم أسامة بن زيد لأنه قتل من 
نطق بالشهادة بدعوى انه منافق . ویقول له وهلا شعقت عن عدر 
لتعرف إن كان صادقًا ام كاذبًا» فاستحبیت أن أوجه إليه الطاب 
مباشرة ولك ل تس بان انك وأمى يا رسول الله . . اردت لا ألا 
نغ بقوة أو بعز لا يدوم فكيف مجد بعض من لا يرقون إلى مواطئ 
أقدامك فى أنفسهم القدرة على الكبر والغرور بما لايغنى 
ولا يفيد ۱۴. 

عدت من مكة متطهر .. فقررت أن أقفز بين الأزمان والأماكن 
بلا التزام بتسلل تاريجى أو جغرافى .. فرأيتنى فى سجن آبی الفلاسفة 
سقراط .. وحوله تلاميذه یبکون .. وهو بقدميه الحافيتين وراسه 
الضخم .. يرفض الاستجابة لرجائهم له أن يبوت من الوتِ بعد آن 
رشوا سجانه » کا رفض من قبل أن يستبدل حكم الموت » بالنى من 
أثينا وكان ذلك من حقه ..» وأسأله لماذا یا الفيلسوف الحكم ؟.. 
فیجییی فى ثقة بما أجاب به قضاته : يجب أن نواجه الموت 
بشجاعة .. كا واجهنا الحياة !. 

فأتعجب كيف قضى عليه القضاة بالموت لأنه نصح شابًا بألا 
يحترف مهنة أبيه فى دبغ الجلود ليتفرغ لطلب الحك,ة والمعرفة .. فيقدمه 
الأب للمحاكمة ویدینه القضاة بتهمة إفساد عقول الشباب ! 
ويضيفون إليها تهمة إنه لا يعبد آلمة أثينا .. ويعبد آلمة أخرى من 
دونها ۱. 


كه 


تركت مغارة سقراط .. وطرت إلى بيت من بيوت البصرة فطرقت 
الباب واستأذنت على صاحبه فى الدخول فأذن فخلعت حذالى 
وسلمت وجلست على الأرض إلى جواره وقلت له : ما هو سر زهدله 
یا الشيخ الطيب ؟ فأجاينى اس البصرى بعد تفكير : 

علمت أن رزق لا يأخذه غيرى فاطمأن قلی . 

وعلمت أن عمل لا يقوم به غيرى فاشتغلت به وحدى . 

وعلمت أن الله مطلع على فاستحييت أن يرانى فى معصية وعلمت 
أن الموت ينتظرنى فاعددت الزاد للقاء ری . 

رات تیه مركا والصرفت. 

تکاثرت شخوص بل الناس فى سالف العصور الذين اوذ أن 
أزورهم وأحادثهم .. فخطر ل آن أدعوهم فى مکان واحد توفيرًا 
للجهد والشقة .. ونظرت أمامى فوجدت مقاعد الصالون تتسع لثانيه 
أشخاص فقررت أن أدعوهم جميعًا إلى فنجان من القهوة .. ثمانية 
نمانية حتى التق بكل من قرأت عنهم وأحببتهم . فاحتل ديكارت أول 
مقعد إلى بمينى باعتباره صاحب الفكرة .. وقبل أن أسأله أول سؤال 
ملأ علینا المكان بطلعته المهيبة الفیلسوف الاغريق أرسطو ولاحظت 
عليه أنه ما زال متأثرًا بإحساس الاحباط الذى تولاه حين تحطاه 
أوصياء أول أكادبمية فى أثينا ولم يتتخبوه ریما لها خلا لأفلاطون رغم 
أحقيته واختاروا لها نكرة لم يسمع به أحد بحجة أن أرسطو ليس من 
أبناء أثينا ! ! يا إلى فى كل العصور هناك حظوظون يختارون للمناصب 
بلاكفاءة على حساب الأكفاء الأذكياء ؟ 


oN 


وق آعقاب ارسطو دخل الکاتب الايرلندى العظم برناردشو 
پقامته الفارعة ولیته البیضاء ينظر للحاضرین بابتسامه ساخرة .. 
ونبض الحاضرون لاستقبال المهاتاما غاندی فى إجلال فرد تحيتهم فى 
تواضع وهو يضم يدبه أمام صدره وینحنی طم . . فقلت له : أا 
الروح العظم ضربت أروع الأمثال فى التسامح حن قلت للمتعصب 
الهندوكى الذى اغتالك : إنى أسامحك يا آحی وأغفر لك » فابتسم ول 
يجب . فقال برناردشو : حين سمعت نبأ اغتياله كنت فى زيارة جار لى 
فتألمت وصحت : قلا مرار] أن الرجل الطيب .. دائما فى خطر !. 

تم ضج المكان بضحك صاخب حين دخل إليه مندفعا المؤلف 
الفرنسی العظم الكسندر ديماس الأب نحيويته الشديدة وقال متشكيًا 
فى خفة روح لا تبارى : هل سمعتم بذلك من قبل ؟ أكتب وأؤلف 

عشرات الروایات التاريخية فلا ينال حى آشهرها وهى ا 
الثلائة» و «کونت دی مونت كريستو» بعض شهرة أو تأثير رواية 
واحدة يكتها إبنى الکسندر دبماس الابن هی غادة الکامپلیا ؟.. 
حقا إنه زمن العجاب !. 

م تم لا يستسلم للشکوی أكثر من .. ينطلق بعدها فيروى 
ضاحکا عن شاب من الأشراف 0 بأصله ثم سأله عن أصله 
فقال له ديماس : ولد یی فى المند الغربية .. وکان جدی زنجيًا وکان 
جدی الاعل قردًا .. ویبدو أن أسرق قد بدأت من حيث انتبت 
أسرتك ! 

وينفجر الضحك ثم یتوقف فجأة احترامًا لقدم الإمام ألى حنيفة 
0۸ 


النمان يحوطه جلال العلم والاكبار .. فقلت له يا شيخى العظم .. لم 
رفضت آن تتول القضاء ق عهدی الأموین والعباسی هرك 
الأمويون .. وحبسك الخليفة العباسی النصور .. وکان بمقدورك أن 
تعنى نفسك من هذا العناء . فقال فى تسامح : عفا الله عا سلف .. 
راوف أصلح له .. ورأيت نفسى غير ذلك ول أرد أن أدخل نفسى فى 
خدمة حكومات لا يرضى عنها الله ورسوله فكان ما كان من أمرى . 
وف آثره جاء الامام الشافعی ولاحظ آثار ما اشاعه ديماس الأب من 
روح المرح فقال فى حكمة : لا بأس من أن تروحوا عن قلوبكم .. 
ولكن نزهوا أسماعكم عن الاستاع إلى انا .. فان الستمع شريك 
القائل !. 

ثم دخل الغرفة معترا بنفسه ملك الشعراء العرب المتنبى .. وف ينه 
أميرهم من بعده أحمد شوق بوداعته وتواضعه » وجاء من بعدهها 
الكاتب الروسى العظم تولستوی .. وف يده أعظم القصاصين الروس 
تشيكوف بنظارته البيضاء .. ونظرته الحزيئة .. ثم شرف المكان أعظم 
شعراء الإنجليزية ولم شكسبير يجبيته العريضة ونظرة الذكاء العبقرية 
التى تطل من عينيه ثم الإمام البوصيرى فقابلته بهذا البيت من بردته 
احالدة 

یا لانمی فى اهوی العدری معذرة 

می إليك ولو أنصفت م تلم 

ووقفت بين الجميع شاعرًا بالجلال والتهيب .. ورأيت حرصًا على 

وقهم أن أکتق بسؤال كل منهم سؤالاً واحدًا وهمت بان أوجه سؤالى 
۹ 


الأول .. فاذا بصوت يقتحم على صالون الخيال قائلاً : عايزين 
سلمة .. قبل الجزار ما يقفل ! فاحسست بمطرقة شديدة تبوى على 
رأسى والتفت خلنی بلا وعى صائحًا : جزار إيه .. أنا أتكلم الآن مع 
ديكارت » وشكسبير.. وتولستوی وتشيكوف .. والبوصيرى . 

. وهبطت من السماء العالية .. إلى الأرض السحيقة !. 


عطر الأحبساء 


صائم أنا . 

إعتدت أن أبداً الصيام قبيل الفجر بلحظات .. وأن أبداً الشعور 
بالجوع والحاجة إلى تسلية الصيام با يشغلنى عنه بعد الفجر بلحظات 
أخرى ! أفضل وسائلى لذلك هی القراءة فى القرآن وكتب السيرة 
والتاريخ الإسلامى التى أركز قراءاق خلال شهر رمضان كل سنة 
فيها .. فأتتقل بين صفحاتها أرشف رحيقها .. وأنشمم من بين سطورها 
عطر الأحباء القدامى . اكتشف من جديد أنى أطرب لكل ایات 
القرآن وأضيف إلى فهمى ها فى كل مر أعإقًا جديدة .. ومع ذلك فان 
لبعضها فى وجدانی رنينًا خاصًا لا يتغير مع مرالسنين : «إنما أشكوبثى 
وحزق إلى الله . 

لاذا تمس هذه الآبة دائمًا قلی ؟ 

نها جزء من آية كريمة فى سورة يوسن جاءت على لسان سيدنا 
يعقوب حين لامه أبناؤه على حزنه الدائم على ابنه الغائب يوسف حتى 
ابيضت عیناه . 

أقرأ كلمة «بیی» وأحس بمعناها ومع ی م آتعرف علیها من قبل 


5١ 


أجد فى حروفها معنى مرتبطًا بالألم الذى همس به الانسان لصاحبه » 
فأرجع إلى القاموس فأجد فيه ما يؤكد صدق احسامی : البش : 
آشد الزن الذى لايصبر عليه صاحبه فييئّه أى يتحدث به !. 

عرفت الآن فقط اذا بكى عمر بن الماطاب حین قرأها بعد أن لئ 
أمر الناس وهو یم المصلين فى صلاة الفجر فبكى حى ابتلت يته 
الشهباء من شدة همه بأمر الناس ! وتفلت منى الفاطرة رغمًا عنى : 
من لنا فى عالنا الإسلامى ببعض من يغلبهم البكاء من شدة همهم 
پامورنا . 

أقرأ سيرة الرسول الکرم فاطرب لكل دروسها وقیمها ومعانيها 
لکنی اتوقف دائما عند بعض مشاهدها التى تؤثر فى وجدانی فأرى 
بعين الخيال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس فى ظل بستان 
بالطائف التى تكبد مشقة السفر إليبا ليدعو قبيلة ثقيف إلى دين الله 
فأنكروا دعوته وشغب عليه سفهاؤهم » فانتحى جانا إلى البستان 
ورفع رأسه إلى السماء وناجى ربه شاكيًا له : ضعف قوته وقلة حيلته 
وموانه على الناس فين له القلب المثقل على بعد الذ کری وطول البعاد 
أو أراه بعد أن نصرالله دینه يمى وقد لبس وبا غليظًا فجاء أعرالى 
فجذبه من الثوب بعنف حتى أثر فى عنقه وقال له يا محمد أعطنى من 
بال وی ی - صلى الله عليه وسلم - ويأمر له 
بعطاء » أو هو بعد أن دفع رجلاً فى بطنه بجريدة من النخل وجاهه 
الرجل يطلب أن یقتص منه فکشف النى بطنه لارجل وأعطاه الجريدة 
ليضربه بها فقبّل الرجل بطن الى وقال : بل آردت أن يرتدع الحبابرة 


1۴ 


من بعدك . أو أراه وقد بعث يشترى بعض ما يحتاج إليه بيته من بودى 
على ان يؤجل الدفع فيرفض اليبودى ان يبيعه قائلا : ما محمد زرع 
ولا ضرع فن اين سيسدد ؟ 
فاهتف صامئا فلا نامت أعين الجبناء ! أو أسمع أم المؤمنين عائشة 
حين سئلت كيف كان رسول الله فى بيته فتقول : «كان بشرا كالبشر 
يصلح نعله ويرقع ثوبه ويخدم نفسه » أو اجده يقول لرجل ناداه : 
ياسيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خیرنا فيقول له : لا یستهوینکم 
الشيطان .. أنا محمد بن عبد الله .. عبد الله ورسوله .. والله ما أحب 
أن ترفمونی فوق متزلتی أو أراه - واحرٌ قلباه - يبكى ولده وينزف قلبه 
دما ولا يقول ما يغضب ربه وقد سبقه كل آبنائه وبناته إلى دار البقاء 
ماعدا فاطمة التى لحقت به بعد ٩‏ شهور من وفاته » أو أراه يوم غزوة 
مؤتة يبكى مولاه زيد بن حارثة عند استشهاده وتراه ابنة زيد فتكف 
عن نواحها وتسأله : ماذا أرى فیجیها : صديقًا یکی صديقه . 
ویسجل الواقعة الفکر الانجلیزی توماس کارلایل فى کتابه الأبطال 
دلیلا على رحمته وعظمته . 
.. بأبى أنت وأمی با رسول الله .. 
ما من مرة قرأت فیها هذه العبارة .. إلا وجاش صدری بالانفعال 
وأنا أتخيل الصحابة الأكرمين يبتفون بها من قلوبهم فى بعض 
المواقف » فتكثف فى كلات نبيلة كل معانى الفداء والایثار والوفاء 
والحب . وينقلنى حديث الوفاء إلى حديث الأحباب من صحابة 
رسول الله .. فأجدنى ا کن حبا خاصًا لألى بكر وحکته وورعه ورحمته 
1۳ 


ومن بين کل أحواله تقفز دائمًا إلى مخيلتى صورته حين هرع إليه بعض 
رجال قريش عقب معجزة الإسراء والعراج يقولون له : صاحبك 
يزعم أنه سرى بليل من مكة إلى القدس فيجيهم مطمئنًا : إن كان 
قال فقد صدق ! ثم يستطرد : ای صدقته فى خر السماء فكيف 
لا أصدقه فيما يخبركم به ؟ فيكتسب أبو بكر امه الذى اشتهر به .. 
الصدّيق الذى يصدق صاحبه فى كل ما يقول ويبلغ » أما أرق أحواله 
عندى فهو حين ذهب الرسول إليه ف بیته يبلغه انه قد امر بالهجرة 
فلا يحيبه أبو بكر إلا بالبكاء وبكلمة واحدة معبرة عن كل المعانى 
هی : «الصحبة» .. يا رسول الله ..» فيخرجان معًا بأمر را . 

وتستغرقنى قراءات رمضان فأتأكد أكثر من أى وقت مضی من أل 
مفتون بشخصية عمر بن ا-خطاب .. الذى « يحافه الشيطان » کا قال له 
مداعيًا الرسول الکرم - فأحب فيه شدته فى الق وعدله بين الناس 
وتسویته بين الجميع وأتابع پانهار شديد درته أى مقرعته وهی تضرب 
ظهور المتزمتين والتکلفین .. والمنافقين وأقول ما أحوجنا إليها الآن 
فیجیثنی صوبها من بطون الكتب نغما ساحرا وهی تضرب رجلاً وجد 
تمرة على الأرض فطاف فى السوق يرفعها ويصيح لمن هذه التمرة 
الضائعة ؟ حتى جاءه صوت عمر مع صوت درته قائلاً : كلها يا ذا 
الورع البارد .. ليس هذا ورعا إنه التكلف !. 

أو أتابعها وهی تقرع ظهر رجل رأه عمر يسير متا فسأل عنه فقيل 
له إنه ناسك فعلاه بالدرة وقال له : إعتدل ولا تمت علينا ديننا .. إن 
الخشوع مكانه القلب لا الوجه .. أما هذا فتفاق !» وغير ذلك كثير . 


55 


أحب فى عان حياءه الذى قال له عنه الرسول ما معناه : إن 
الملائكة لتستحى منك يا عان .. واجفل كلا تذ کرت مصرعه وهو 
صاثم محصور فى بيته مأسوف عليه من كل قلب مؤمن . 

وأحب فى على سبقه للايمان وعلمه وورعه وشجاعته وعدل قضائه 
وبلاغته ثم أقفز واسعة إلى عصر عمر بن العزیز .. فیتکرر إعجالي بعدله 
وزهده .. وأعجب له كيف بدأ عهده بإلغاء مبدا التجريم بسبب 
الخلاف فى الرأى » ومازال بیتنا بعد هذه القرون من لايزالون 
يعتمدون مبدأ تجريم الخلاف فى الرأى » وأعجب لثورته الاجتاعية 
التى رسخ بها مدا أن الدولة مسئولة عن كل فقير ومحتاج ومريض وأن 
دورها هو ان تعطى لا ان تاخذ . 

اما قة قة إعجالى بعقليته المتفتحة فيجىء ء بحن اقرا :ما رواه عنه ابو 
حيان الوحیدی فى کتاب «الامتاع والمؤانسة) : «وافضل من ذلك 
قول عمر بن عبد العزیز ذات مرة : والله أنى لأشتری احادثة «أى 
الحوار والشورة وتبادل الرأی» من عبيد الله بن عبد الله بن مسعود 
بألف دینار من بين مال المسلمين ۰۱ فقيل له : أتقول هذا يا أمير 
المؤمنين مع شدة تحريك وتترهاك ؟ فقال عمر : أين يذهب بكم والله 
انی لأعود برابه ونصحه وهدايته على بيت مال المسلمين بألوف وألوف 
الدنانیر .. إن فى الحادثة تلقيحًا للعقول وترويحا للقلب وتنقيحا للأدب 
وتسريحًا للهم ) . 

.. عسى أن أكون قد سرحت بعض همك .. كم الساعة الآن من 
فضلك ؟ 


56 


زماذن .. من البشر 


أفكر جديا فى عرض نفسى .. على طبيب نفسی ! 

ان أحب أشخاصًا لم أعرفهم وم ألتق بهم وليسوا من الأعلام أو 
المشاهير الذين قد نقرأ عنهم فنحهم بلا سابق معرفة .. فهل عندك 
تفسير لهذه الحالة ؟ سوف تسألنى بالطبع كيف إذن احببتهم بغير أن 
تعرفهم أقول لك إننى غالبا أكتشفهم فى بطون كتب السير الذاتية 
للمفكرين والأدباء فأتوقف عند بعض النماذج البشرية التى ألتقوا بها 
فى رحلة الحياة وتأثروا بها فأسرع بالتقاطها وتسجيل ملامحها فى أوراق 
وعدن بعلاقة إنسانية تربطنى بهم تتراوح عادة بين الإعجاب بهم .. 
والعجب منم .. وحين جلست لا کب مقالى هذا تراءت لى بعض 
هذه النماذج ۳۳ فى أن آقدمها اليك . 

واحد مهم لم آعد أذكر الآن أبن قرات عنه لکنی ضممته إلى 
قائمة اصدقاق منذ زمن طویل امه الشيخ حسن الطویل وکان من 
علماء الأزهر فى آواخر القرن الاضی .. ومن العلماء التنورین التقدميين 
فى وقت یغلب فيه على الأزهر الجمود .. وکان يقرأ الفلسفة وعلی معرفة 
بالرباضیات ول لطلبة دار العلوم ما یستعصی علیهم حله من 


55 


التمرينات المندسية وكان ذكيًا وحكيمًا وذا نظرات صائبة فى الحياة 
وعلى معرفة بالدنيا والسياسة وشجاعًا فى الرأى يتكلم بما يعتقد ولو 
آدی ذلك إلى فقده لمنصبه وكان معترًا بنفسه اعتزاز العلماء الأصلاء 
بعلمهم رغم فقره وزاهدًا فى الدنيا يرتدى قفطانا من البفتة الرخيصة 
وجبة من نفس الاش .. وينيهه زملاؤه ذات يوم إلى أن على باشا 
مبارك وزير المعارف سوف يزور دار العلوم ويرجونه أن يرتدى ملابس 
لائقة بالاستقبال فيغضب لكرامته ويقول لحم : إذن سأبعث لكم مجبة 
من الصوف وقفطانا من الحرير ليكونا فى استقبال الباشا .. أما إذا 
اردع حسن الطويل فهذه هی ملابسه ! وكان كلا دعى إلى موائد 
الأغنياء فى رمضان لا يذوق منها إلا الفول المدمس ويصادق صاحب 
مقهى بلدى من جيرانه ويخلص كل منها الود للآخر.. ثم بطرد من 
منصبه بدار العلوم بسبب كلامه فى السياسة فينقطع مرتبه وهو مورده 
الوحید .. فلا يتردد صاحب القهی الشهم وهو آیضا من صدتاق فى 
أن ينبض لأداء واجبه کصدیق ویقوم بالانفاق على الأسرتين معا 
ويبعث بصبيه کل يوم لیشتری لوازم بیته وبيت صدیقه بالتساوی » 
ویقبل الشیخ مساعدة صدیقه لأنه ليس بين الأحباء حرج فى حين 
يرفض مساعدة أثرياء عصره لأنها إعانة تأباها نفسه الحرة كعالم ثم يعود 
الشيخ إلى عمله فإذا قبض مرتبه سلمه لصديقه با کمله لینفق منه على 
البيتين كا كان يفعل وهو مطرود .. ويصر على ذلك لفترة مساوية تماما 
لشهور الأزمة الى أعانه فيها صديقه . 
ويواصل إلقاء محاضراته فى الأزهر فى الفلسفة والمنطق وحضر 
۷ 


دروسه نحبة من التلاميذ من بينهم الامام محمد عبده » ويتهمه 
المتحجرون بالزندقة هو وتلاميذه فلا يابه لهم ويطالب تلاميذه بالا يلقوا 
إليم بالا وبأن يواصلوا طريق المعرفة بلا حوف من اتام وبأن يحكوا 
العقل دائمًا فى كل ما يعرض طم فلا يقبلوا مما يقراون إلا ما يقبله 
ويرفضوا ما يرفضه .. ولو كان مطبوعا بماء الذهب .. ويضحك من 
أعاقه حين يروى له الإمام محمد عبده إنه غضب فى شبابه على كتاب 
من الكتب الصفراء قرأه ولم يعجبه فأوقد فيه النار وطبخ به عدسًا فكان 
ألذ عدس أكله فى حياته .. فيقول له الشيخ الطويل : آتعرف ناذا 
كان شهيًا.. لأنه طهى بنار الجهل !. 

أما هذا الصدین فأمره عجیب حا .. فقد تعرفت علیه من ابنه فى 
كتابه الفرید «سجن العمر» .. إنه الستشار إسماعيل الحكم والد 
الأديب الکبیر الذی ظلمته جائزة نويل ونجاوزته .. توفیق احکم وقد 
رم له الأديب الكبير صورة فريدة کا يكتب الأدباء عن شخوص 
حياتهم بلا حرج فقد كان صاحب خبرات عجيبة ومتنوعة فى كثير من 
محالات الحياة ويحرص على أن بتغلغل فى تفاصيل الأشياء كأن كل ما 
يصادفه فى الحياة قضية معروضة عليه لابد ان يدرس كل جوالبها قبل 
أن يصدر الحكم فبها وهو يعرف بالضبط کم طوبة تلزم لبناء غرفة من 
ججم معين » وكم كيلو من البذور تلزم لزراعة فدان بالقطن أو 
القمح .. ويقرأ فى القانون والطب والأدوية والنجارة والحدادة 
والعطارة واللغة العربية والنحو والشعر وقواعده وحوره » وى شبابه 
ابتکر سيجارة محشوة بأوراق شجر الفاكهة بدلاً من التبغ !.. وحمل 


A 


ساعة ید بقدمها عشر دقائق لكى تكون لديه دائمًا عشر دقائق مدخرة 
للطوارئ .. وإذا سار مع ابنه الشاب فى الشارع توقف فجأة ليسأل 
ترى ما هو عرض واجهة هذا البيت أو ما هو عرض هذا الشارع ثم 
يشرع فى قياسه بعصاه القی يحملها دائما والضبوطة بدقة على المتر 
المندسى الاصل بمصلحة المساحة !. 
ويسأله ابنه لاذا .. هل سنشتری هذا البيت فيجيبه متعجبًا : جرد 
معرفة يا أخى .. كل شىء تعرفه فى الحياة يفيدك ذات يوم !. 
وهذا صحيح لكنه لم ينطبق كثيرًا على تجاربه العملية إذ أنه مع كل 
هذه المعارف والخبرات كان إذا أقدم على تنفيذ فكرة من أفكاره غرق 
فيها وغرقت معه الأسرة فى بثر بلا قرار فلقد كان للأسرة بيت 
بالاسكندرية ورأت ذات يوم أن تجرى فيه بعض التحسینات ورفض 
الأب أن يستعين بمهندس لأنه يعرف كل شىء .. فا أن بدا العمل 
ذات يوم کا كتب توفيق کم «حتی أصبح البناء والهدم فى منزلنا 
شيئًا طبيعيًا ومستمرًا كالأكل والشرب ولدة اعوام طويلة فلقد احضر 
یی البنائين والنجارين وصار يقول لهم شقوا هنا هلين وأزيلوا من هنا 
جدارًا فا أن يفعلوا ما آمر حتى مجد أن الباب بدلا من أن يفتح على 
الردهة قد فتح على المرحاض وأن الجدار الذى أزيل قد جعل المطبخ 
فى الصالون ! فيعود يأمرهم من جديد بسد ما فتحوا .. وانتهى بنا 
7 الأمر إلى أن صار البناؤون والنجارون والمبيضون مقيمين لدينا إقامة 
مستمرة لأن العمل لا ينتبى ولا يمكن أن ينتبى فاتذوا لأنفسهم 
حجرة قرب باب الحديقة يقطنون بها ويبيتون ويسمرون ويأى لزيارتهم 
1۹ 


فيها الأهل والأصدقاء !» . 

ولا تنتبى الملامح العجيبة التى يرسمها قلم الأديب الكبير لأبيه ثم 
تجىء النباية ويمرض الأب ويرقد فى المستشق وتشرف على تريضه 
مرضة بهودية ويفتح عينيه ذات مرة فيرى الممرضة ويرى على الحائط 
تمثالاً صغيرًا للسید المسيح فلا تفارقه روح الدعابة . والمشاغبة الفكرية 
فيشير للتمثال ويقول لها باسمًا : ألستم أنتم الذين أردتم صابه .. 
فتضحك الممرضة وتلتفت إليه فإذا به قد أسلم الروج 1 , 

اما الصديق الثالث فلقد تعرفت عليه فى كتاب «حیانی » للاستاذ 
أحمد أمين » وكان يعتبره أستاذه الثاني فى الحياة بعد أبيه > ولم يكن 
أستاذًا أزهريًا ولا مستشارًا خطيرًا وإنما كان مدرسًا للغة العربية 
بمدرسة رأس التين الثانوية حين عمل أحمد أمين لفترة من حياته 
مدرسا بالاسكندرية » وكان من هؤلاء البشر الذين يثبتون صحة كلمة 
الكاتب الروسى الكبير انطون تشيكوف من أن «الانسان الشريف مها 
كان شأنه لا يمكن أن يكون تافها أبدّا» وهذا صحيح تماما فليس 
ضروريًا أن تكون صاحب منصب أو جاه لتكون إنسانًا محترما وذا شأن 
فى الحياة وإِنما يكف أن تكون إنسانا شريفا فلا تحس أبدًا بضآلة الشأن 
وتحترم نفسك فيحترمك الآخرون وتضيف إلى الحياة بسلوكك اناد 
القوم .. بلا مناصب ولا جاه فلقد كان الشيخ عبد الحكم بن محمد 
من تخرجوا فى دار العلوم » وکان من هؤلاء الذين یفرضون على 
الاخرین احترامهم بشجاعة رأيهم واباء أنفسهم » وکان کا قال احمد 
أمين يعتمد فى دروسه على الحب لا على الارهاب ويحبه تلاميذه 


۷۰ 


وزملاؤه لاباء نفسه وترفعه عن الصغائر ويترك لتلاميذه حرية الحديث 
والنقد ولم يكن مدرس لغة فقط وإنما كان مدرس تفكير ونقد 
للمجتمع يشجع الآخرين على التفكير والخلاف معه فى الرأى ويفرق 
بين خلاف الرأى والخلاف الشخصى فيحترم مخالفيه ويحبهم لترفعه 
وة فكرة وكات مش وا رد یعتنق الطريقة النقشبندية وهی طريقة 
ليس لها شعائر ولا تقاليد ظاهرة للناس .. فالنقشبندى إذا ذكر الله 
ذكره بقلبه لا بلسانه وكان مع تصوفه لا يؤمن بالخرافات ويتذوق 
الموسيق والشعر والأدب ويلتزم فى حياته بالصدق فلا ينطق إلا صدقًا 
وإن أذاه ذلك .. حتى أطلق عليه تلاميذه هذا الاسم الفريد الذى 
بترجم ضحكه المصرى واعجابه يمن يراه أهلاٌ اي : .. الشيخ 
الانجلیزی !. 

.. وانتبت الساحة قبل أن أقدم لك الزید من أصدقاق احهولین 
فهل تنصحنى بالاستمرار فى البحث عنم والاعجاب كن يستحق 
الاعجاب منهم أم ترى معى أن زيارة الطبيب النفسى قد أصبحت 


واجبة !. 


۷۱ 


زماذج أخرى ! 


هل تريد أن تتعرف على المزيد من أصدقائى المجهولين الذين 
التقطهم من بطون الكتب . وأعتيرهم أصدقاء لى فى الخيال ؟ 

حسنا .. سأقدم لك عددا آخر منهم قارف أن "اتسين لمعف 
العذر فى هذه افواية الغريبة » فحين بعز الأصدقاء الحقيقيون أو تباعد 
بيننا وبينهم الحياة والمسافات فلا بأس من التماس السلوى مع أصدقاء 
الخيال ! 

واحد آخر من هؤلاء تعرّفت عليه منذ سنوات بعيدة فى الجزء 
الثالث من أحبٌ كتب الدكتور طه حسين إلى وهو سيرته الذاتية 
والأيام » وقد كتب عنه أنه كان زميلا له فى دراسة الليسانس 
بالسوربون فى باريس وأنه كان شابا حتهدا طيب النفس يدرس ويكد 
لكنه يعانى من عقدة مع اللغة اللاتينية وقد تقدم للامتحان أكثر من 
مرة فا أن يمسك بورقة اللاتينية الى ينبغى عليه أن يترجمها إلى الفرنسية 
ويقرأها حتى ينبض ويسم ورقة الإجابة بيضاء من غير سوء وهو يردد 
لنفسه بيتا من الشعر اللاتینی عن الياس والرجاء وينصرف غير عبط 
ولامنبار وهو يؤكد لنفسه أنه لابد من نيل درجة الليسانس وإن طال 
العناء » ثم يعيش حياته العادية بلا حزن ولا | کتثاب ويواصل دراسته 


ف 


فى انتظار الفرصة القادمة . وق إحدى هذه الرات تقدم معه طه 
حسین للامتحان وکان قد تزوج قبلها بشهور وأقام فى شقة متواضعة 
بالدور السادس من بيت ليس به مصعد بالقرب من السوربون » فکرر 
الصدیق نفس القصة وغادر الامتحان پردد بيت الشعر اللاتینی .. أما 
طه حسين فقد واصل الامتحان .. وانتظر نتيجة اللیسانس مشفقا من 
الفشل وذات مساء كان فى شقته الصغيرة .. حبن ظهرت نتبجة 
الامتحان ونجح هو ورسب صديقه ۰ فإذا بهذا الصدیق الوفی یقطع 
المسافة بين السوربون وبیت طه حسين جریا ويصعد الأدوار الستة قفزا 
ویدق الجرس فتفتح له الباب زوجة صدیقه فیزف إلا البشری فى 
سعادة طاغية وهو یلهث ویرفض الدخول ليستريح وعا يستدير من 
فوره لبط الدرج مسرعا .. فتلاحقه بكلات الشکر وهو یبط ثم 
تتذ کر أنه زمیل زوجها فتسأله عن نتيجته فیجیها بفس النبرات 
البتهجة التى آبلغها بها حبر نجاح شريك حیاتها : رسبت .. ولکن غ 
يوم جدید ! وتعود الزوجة الشابة إلى زوجها متعجبة مذه الروح العالية 
وتمنی لزميل زوجها التوفیق » أما هو فإنه يواصل کفاحه بلا ملل .. 
وبلا لوم للظروف .. وبلا إحساس بالتقص .. وبلا غيرة من تقدموا 
عليه وکان هو من قبل یتقدمهم .. لأنه لالوم إلا لفسه ویتقدم 
للامتحان مرو ب ج إا سم وره اللاثينية نات امتحان يعرف 
على الفور ان يومه المنتظر قد جاء فلا يتركها الا وقد ام ترجمتها على 
أحسن ما يرام وينال درجته التى طال انتظاره لا واستحقها بکفاحه 
وصفاء نفسه وترفعها على الحقد والغيرة والكراهية ثم ينفتح الطريق بعد 

۷۳ 


ذلك أمامه ويحصل على الدكتوراه ويعود لبلاده لعمل أستادًا فى 
جامعاتها وقد اقترن اسه باسم الجامعة التى أمضى سنوات طويلة وهو 
يجاهد ظروفه فيبا لينال شهاداتها .. فاذا باسمه الذی يتصدر مؤلفاته 
العلمية ومقالاته بعد ذلك وإلى أن يرحل عن اللحياة هو الدکتور صبرى 
السوربونی !. 

ترى أما زال فى الحياة من يواجهوتها بهذه النفس العالية .. 
التطهرة من الأحقاد والصغائر .. وال لا تنصرف عن أهدافها إلى لوم 
الآخرين أو الحقد علیهم ؟ 

أما هذا الصديق فهو ليس شخصية حقيقية » وإنما شخصية 
نسجها قلم الروای والشاعر الفرنسى العظم «فیکتور هوجو » فى رواية لم 
تنل شهرة باق اعاله هى رواية «الكادحون فى البحرع فف هذه الرواية 
روی هوجو قصة طويلة عن شاب إسمه جیلیات أحب فتاة جميلة إسمها 
دورشیت حبًا صامئً بلا أمل ثم جاءته الفرصة حين أعلن عمها الثرى 
وول آمرها عن مكافأة لمن یفوص فى البحر ویستخرج ماکینات 
سفينة له غرقت قرب الشاطئ . فيكون له الحق فى أن بتزوج 
دورشيت » فيتقدم جيليات للمهمة الصعبة ويكابد أهوالاً مريرة فى 
الخوص إلى قاع البحر وينقذ خلال محاولته الأول قسيسمًا شابًا من 
الغرق > م يصل بعد كفاح مرير إلى السفينة الغارقة ویستخرج منها 
صندوقا من المال » كان صداق دورشیت قبل أن تغرق السفینة » 
ویعود جیلبات حاملاً امال سعیا لیزف البشری إلى دورشیت 
وعمها .. فیلمح فى النافذة حبیبته تعانق القسیس الشاب الذی آنقذه 


تف 


من الغرق » فیعرف أن قلها قد اختاره وأنه لا مكان له فى قلها .. 
فیسلم المال للعم ويرجع ويترك دورشیت هواها ويتنازل عن حقه فى 
الزواج منها » وتتزوج فتاته الجميلة من حبيبها ويرحلان معا بالسفينة إلى 
إنجلترا .. ويحرص جيليات على أن يلق عليها النظرة الأخيرة فيقف على 
صخرة فى الماء يرقب سفينة حبيبته وهى تبتعد رويدا رويدا .. ويرتفع 
المد فيصل الماء إلى ركبتيه وهو مستغرق ف النظر للسفيئة المبتعدة » ثم 
إلى وسطه » ثم إلى كتفيه ثم يغطيه الماء نماما ويغرق جيليات 
بلا مقاومة .. بلا مقاومة راضيًا بأنه إن لم يكن قد نال يد حبيبته .. 
فقد كسب ما يعوضه عنها.. وهو سعادتها ! فرحمة الله عليك 
يا صديق جیلیات فا من مرة قرأت هذا الفصل الأخير من قصتك إلا 
وتندت عيناى بالدمع ليس أسفا عليك فقط .. ونا أيضًا على قلة 
أمثالك فى الحياة من يعرفون أن فى التضحية لمن تحب بعض السعادة .. 

وربا فى بعض الظروف كل السعادة !. 
وصديق هذا من شخصيات التاريخ الحقيقية لکن کتبه لا تذ کره 
كثيرًا لأنه لم حکم سوى أربعين يومًا أنه معاوية بن زيد ثالث خلفاء بنى 
أمية » وابن الخليفة الضعيف اللاهى يزيد وحفيدمعاوية بن یی سفيان 
أول ملوك العرب بعد الاسلام وأكثرهم دهاء > فقد مات «یزید 
الفجور » كا روى عنه بعض الورخحین » واستخلف ابنه معاوية بعد ان 
أصبحت الخلافة ملكا يتناقله الأبناء » وكان معاوية شاب صالحًا 
تقيّا .. جاءته الخلافة وهو مريض فاستمر مريضًا ولم يخرج إلى الباب 
ولم يصل بالناس ول يضع بردة الملك » ثم جاءته المنية واحتضر وطلبوا 
۷۵ 


منه أن یستخلف أحذا عن بنی أمنة من بعده فرفض أن ینکب السلمین 
بأحدهم وهو لا یعرف ماذا سیکون من آمره مع الناس .. وألحوا عليه 
فقال کلمته الى ما إن آقرآها کل مرة ى تذوب نفسی حبا له وأسفا 
عليه : «ما آصبت من حلاوتبا .. فلاذا أتحمل مرارتها ؟» يقصد أنه لم 
يذق حلاوة الملك فلاذا یتحمل آمام الله وزر اختیار من قد يظلم الناس 
بعده ؟» ثم يموت معاوية بعدها الى عليه وهو فى اسادية 
والعشرين من عمره » ولو امت به العمر لكان خامس الخلفاء 
الراشدين ولكان جوهرة بنى أمية عمر بن عبد العزيز هو سادسهم .. 

وعفوًا لهذا الجو الحزين رغا عنى .. فلاخرج منه إذن بتقديمى إليك 
صديق الجديد هذا .. إنه أيضًا من أصدقاء الخيال لكنى أرى له فى 
الحياة أشباهًا كثيرين .. إنه ذلك الفتی الصعلوك ضثيل الجسم الذی 
نسجه قلم أديبنا الكبير نجیب محفوظ فى كتابه وحكايات حارتنا» فلقد 
روى عنه إنه كان فی ضائعًا يمفضى اوقاته بلا عمل مع ثلة من 
الصعاليك من امثاله وقد فتن باحدى جميلات الخارة فاتفق مع زملائه 
على تمثيلية ينال بها إعجابها » فتقدم بعضهم لمضايقتها » م جاء البطل 
القذ عباس الجحش .. فصرعهم بضربة واحدة .. وفروا أمامه 
كالحرذان فأحست بالا كبار له .. ونشرت قصة بطولته » عند أسرتها 
ول الحارة » وفوجئ الجحش بصبى المقهى يستقبله مرح 
«بالعلم » .. فتوة الحارة فدارت انا وصادف ذلك خلو الخارة من 
فتوة بعد مصرح [خرهم فسأل نفسه ول لا؟ فاصطحب الصعاليك 
رفاقه وتقدم إلى القهی وجلس فى صدارته فإذا بالجميع يحيونه 
۷٦1‏ 


ويحترمونه .. ويؤدون له الأتاوات ! وطابت الدنيا لعباس الححش .. 
ونعم بعز الفتونة وجاهها .. وتقدم لخطبة فتاته فأجيب بالقبول على 
الفور وعقد قرانه علا وتحدد موعد الزفاف والزفة التى لابد منها لتتویج 
بطولته » وسار عباس فى مقدمة الزفة ومن حوله الرجال والشموع .. 
وعند إحدى الحارات افاق فجاة من الحم السعيد على الواقع المر.. 
لقد تصدی له فتوة حارة العطوف . . وشهر نبوته بتحداه .. فتوة 
حقيى .. ولیس ولید الصادفة مثله .. واصبحت فتونة عباس اححش 
وحياته فى الیزان .. فطارت السکرة وجاءعت الفكرة . 
أصدقاؤه ماذا سیفعل صديقهم ۰ فإذا به يفاجئهم ويتقدم بجسارة 
غريبة ويلوح بنبوته .. فتتوقف القلوب ترقب امجزرة القريبة .. وواصل 
عباس جراته الشيطانية .. وتقدم صوب فتوة العطوف .. ثم توقف 
لحظة وفجأة أطلق ساقيه الع منحرف فى حارة جانبة دص 
الفتونة الكاذب إلى الأبد واا محياته . .. واختق من الخارة فلم يعثر له 
بعدها على أثر. . ویظل قرانه معقودا إلى أن بسقط بمفى المدة 
وأصبحت حكايته الغريبة .. نكتة تروى » وعبرة لكل موهوم . 
تری کم «جحشا» رأيته فى حياتك .. توهم فى بعض الأوقات أنه 
بطل ضرغام لأن بعض الظروف قد آوهمته بذلك » فاذا ما تعرض 
لاختبار حقيق تهاوی واندحر وتحول إلى فار صغير ؟ وتری کم من 
هژلاء يذ كرك بكلمة فولتبر الخالدة : «كثيرًا ما رأيت عصفورا يطير 
وراء نسر وف اعتقاده أن النسر إنما يفر منه !» فتتعجب كثيرًا ما قد 
يصنعه الحمق والغرور ببعض العصافبر أو بعض «الأجاحيش» !. 
۷۷ 


صديقى الكسندر ! 


أريد أن استأنف سلسلة مقالاق التى آغرفك فيها بعض 
الشخصيات الأدبية والتاريخية الى | کتشفنا من خلال قراءانی احتلفة 
واحیبتا واعتبرتبا من أصدقاء الخيال الذين آتذ کرهم كثيرًا وأضحك 
لفارقاتبم أحيانًا وأأسف لالامهم فى أحيان أخرىء ومنذ فترة طويلة 
والرغبة تلح على فى أن أقدم لك واحدًا من أحب هؤلاء الأصدقاء إلى 
قلبى هو الرواق الفرنسی العظم ألكسندر دياس الأب » مؤلف رواية 
الفرسان الثلاثة .. ورواية كونت دی مونت كريستو التى عرفتها السینا 
العربية باسم «أمير الانتقام» وغيرها من الروايات الشهيرة » وهو 
شخصية فريدة فى إنتاجه .. وفى حياته الشخصية العجيبة فحين ولد 
صاح أبوه معجبًا : با إلهى لقد أنجبت طفلاً كأنه رجل ؛ فقد كان 
وزنه تسعة أرطال وطوله ۱۸ بوصة » دأى حوالى نصف مثر ) ویتمتع 
بقوة جسدية كبيرة . وفما بعد وصفه أحد النقاد فقال عنه أنه كان قوة 
من قوی الطبيعة لا أحجد باثله نی جریان قلمه بسهولة كأا لا بكب | 

وليست هذه فقط أهم ملاعه .. فلقد کان حصانًا جامتا فى کل 


۷۸ 


شیء يعمل كثيرًا .. ويضحك آ کر ویستمتع بالحياة وعتع أصدقاءه 
بأحاديثه ويشارك فى اسياة العامة والدفاع عن الحريات ویشجم ابنه 
الكاتب الشاب دعاس الابن وینافسه ! 

نی بداية حیاته جاهد طوبلاً ليقدم أولى مسرحياته للمسرح 
الفرنسی م کب مسرحية عن ملكة السوید كريستيانا وقبلها السرح 
ارا وبدات بروفاتها وید دیاس بستعد لحنى رة کفاحه فاذا بمؤلف 
مسرحى عجوز ظل طوال حياته يحاول بلا طائل أن يقدم إحدى 
مسرحياته للمسرح قد كتب مسرحية عن نفس الملكة وقدمها لنفس 
المسرح . فاذا يفعل دیاس ؟ لقد سحب مسرحيته بكرم شديد قائلاً : 
فلنعط الزميل العجوز فرصته لأن يقول كلمته الأخيرة على المسرح قبل 
أن يودع الحياة ! ول بحزن ديماس ول يقلل ذلك من فرصته ككاتب 
مسرحى فقد قدم له المسرح بعدها عشرات المسرحيات الناجحة .. فن 
یفعل مثلا فعل هذا الفنان العجیب الآن ؟ 

تم هو داثم الصخب واللهجة والاستمتاع بالحياة حتى فى أشد 
ظروفه معاناة وضائقة اقتصادية يدخل الصالونات الأدبية فى باريس 
فيثير عاصفة من الضحك بتعليقاته الذكية ‏ واعاءاته اللاذعة ‏ 
ولا يبدأ أحدًا با باساءة لكنه يستطيع دائمًا أن يرد على من بحاول 
الاساءة إليه بما يسكته ! 

يقول له الأديب الفرنسى أونوريه بلزاك «وكان يعتبر الكتابة 
للمسرح أقل قيمة أدبية من كتابة الروايات الأدبية» : حين يحف نبع 
موهبتی سأكتب القثيليات للمسرح » فيرد عليه داس «بأدب » إذن 

۷۹ 


فابداً على الفور أولى مسرحياتك ! 

وتقول إحدى ممثلات مسرحياته بعد اسدال الستار وسط تصفيق 
الجمهور لقد صنعت نجاحى .. فكيف ارد إليك جميلك ؟ فيقول 
لما : هكذا تم يتزوجها ! 

ويفتر نجاحه المسرحى قليلاً فلا بيأس ولا يستسلم للفشل والاحباط 
واغا يطرق بابًا جديدًا هو تاليف الروايات التاريحية فيصبح بعد قليل 
من أشهر كتابها ويكتشف فى التاريخ كنرًا بحول وقائعه الجافة إلى 
روايات شديدة المتعة والاثارة .. ويغير ويبدل فى وقائع التاريخ 
لتنسجم مع البناء القصصى وينتقده لذلك أحد النقاد فيقول له 
ببساطة : لا باس بان تعتدى على التاريخ بشرط أن تنجب منه 
طقلا ا بقمند. يشرط ان يكين خلت ضنلا اده له قزم | 

وهو حين يكون مشغولاً بكتابة رواية جديدة يكتب واقفاً من 
الساعة السابعة صباحًا إلى السابعة مساء بلا توقف ويرد على نحية 
أصدقائه ملوحًا بيده اليسرى ويده العنى مستمرة فى الكتابة ويعايش 
شخصیات روايته فى خياله » ويزوره أديب إنجليزى وهو مہمك فى 
الكتابة فيسمعه من خارج غرفة مكتبه يضحك ضحكة صاخبة فيسأل 
خادمه عمن معه فى المكتب فيجيبه : لا أحد .. إنه يكتب ويضحك 
على النكات الى يطلقها أبطال روايته ! 

ورغم إنتاجه الغزير فبيته لا يخلو أبدًا من ضيوف على الغداء .. أو 
العشاء » ومائدة طعامه مجلس إلبها دائما ۲ او ۱۵ ضیف » وهو یتفن 
الطهی ویتفنن فيه ویدعو أصدقاءه فى أيام الاجازات للاقامة عنده 
A‏ 


ويرسل إلہم خادمه فى الصباح برسالة منه : سيدى يسألكم ماذا 
تريدون من أنواع الطعام للغداء اليوم حتى لا تظنوا إنه لا يجيد سوى 
طهى الأنواع التى يقدمها لكم ! 

وهو يربح كثيرًا وينفق أكثر وتحاصره الديون ويتردد عليه عضر 
المحكة مرارًا باعلانات الحجز سدادًا للديون المتأخرة حتى کره احضرین 
من أعاقه ! ثم يجيئه صديق ذات يوم يسأله المعاونة فى نفقات دفن 
رجل مات بلا عائل فيقدم له ۱۵ فرنکا ثم يسأله عنه ويعرف انه كان 
محضرا باحدی الحا کم .. فيخرج من جيبه ١6‏ فرنکا أخرى يعطبها له 
قائلاً : إذن فأدفن معه محضرًا آخر » لكن دياس عاشق الحياة بواجه 
منافسة شديدة لم يحسب ها حسابًا من قبل لقد أصبح ابنه الشاب کات 
مسرحيًا مرموقا » وکتب وهو فى الثامنة والعشرين من عمره مسرحية 
غادة الكاميليا فإذا بها تطغى على شهرة كل أعال أبيه وتؤثر على بريقها 
ويصبح دیاس الابن حديث المجالس الباريسية .. وئتوزع مشاعر 
الأب الفنان بين الفخر بابنه والغيرة من نجاحه الأدبى فيحل هذا 
التناقض بطريقته العجيبة .. فيحتفظ لابنه فى قلبه بكل الحب والفخر 
بنجاحه الأدبى .. ويطلق لسانه اللاذع متشكيًا من عجائب الزمن التى 
جعلت من هذا الشاب الصغير أشهر من أبيه ؛ فيقول : لقد أنحبت 
ولدًا فتحول إلى ثعبان ! ويرد الابن : لقد كان لى أب فتحول إلى 
طفل ! وصالونات باريس تضحك هذه المعركة الأدبية العجيبة وتتابع 
بشغف محاولة كل منهما أن يتفوق أدبيًا على الآخر ولا تعجب لا يكنه 
كل منبم| لصاحبه من حب يصل إلى ما يشبه العبادة ولا لفخ ركل منهعا 


۸۱ 


«سرا » بصاحبه أما فى الصالونات الأدبية فكل منیا يتحدث عن نفسه 
فقط ! 

ويشارك دياس الأب فى ثورة غاریبالدی بايطاليا وهو فى الثالثة 
والستين من عمره ويعود فيستقبله ابنه فى احطة ويطلب منه أن يعود 
معه إلى البيت لیستریح لكن الأب الجامح يصطحبه قسرًا لزيارة الشاعر 
الفرنسی جوتييه فى منزله .. ويوقظه من نومه ولا يغادره إلا فى الرابعة 
صباحًا » ويدحل الابن فراشه أما الأب الفنان فيجلس إلى مكتبه 
ليكتب ثلاث مقالات ثلاث علات تلفة .. وأخيرًا يلق اسان 
الجامح بقلمه ليستريح بعد طول عناء .. فيتوجه وهو فى الثامنة والستين 
من عمره إلى بيت ابنه ويقول له : وجثت إليك لأموت » ۱ م عفی 
أيامًا فى الفراش رافضًا الكلام.. فيحزن أصدقاؤه ويقولون إن عقله قد 
اضمحل .. لكن الابن المفتون بأبيه يرد بآباء : إن عقلاً كعقل أبى 
لا يمكن أن يضمحل .. فان كان يرفض الكلام بلغتنا الان .. فانما 
ذلك لأنه قد بدأ يتعرف على لغة الخلود ! 

ألست عمًا فى حى لشخصية دیاس الأب » وف إعجالى بهذه 
العلاقة الفريدة بينه وبين ابنه ؟!. 


۸ 


الأستاذ مریضا 


من آمتع فصول کتاب الاستاذ أ انیس متصور الضخم عن الأستاذ 
العقاد أو بععیی اصح کتاب ا منصور عن أئيس منصور ی 
صالون العقاد » الفصل الذى يروى فيه قصة مرض الكاتب الكبير 
وبداية النهاية لرحلة العملاق فى الحياة .. وقد اختار له عنوانًا معيرًا هو 
«الاستاذ ا ..( 

وبالرغم من مأساوية هذا الفصل الذی بروی قصة الناية ومقاومة 
العقاد للمرض بصلابة وکبریاء إلا أنه لا مخلو من حات مثيرة للتأمل 
عن شخصية العقاد المتمردة الرافضة للقيود حت قيود العلاج !. كان 
العقاد مريضا مزمئًا بالمصران الغليظ - وکعادته كلا واجه مشكلة 
تعترض طريقه لجأ إلى سلاحه الذى لا يملك غيره لواجهة الحياة وهو 
العرفة ! فقرأ كثيرًا فى الطب وقراً كثيرًا عن المصران الغليظ وعن 
الأدوية والعقاقير. 

وكعادته رفض عقله الجبار أن يصدق أن هناك من يمكن أن 
«یعرف» أكثر ما يعرف هو عن هذا المرض وعلاجه من الأطباء أو 
غيرهم فكان تلاميذه إذا رأوه يحهدًا یعانی من الام المصران ويضع يده 


AY 


فى جانبه باستمرار على موضع الألم ليسكنه » يحتالون لدعوة بعض 
الأطباء لزيارته وفحصه «متنكرين » فى شخصيات أخرى .. كتلاميذ 
للعقاد أو کمحبین للثقافة » فإذا سأله أحدهم بطريقة عابرة عا یعانی 
منه انطلق العقاد يشرح له اسباب المرض وعوارضه والنظريات الطبية 
احتلفة فى علاجه . تم أسماء الأدوية امختلفة وتركيبها وعناصرها والآراء 
اختلفة حول فعاليتها .. ثم يرفض فى النهاية أية نصيحة طبية مؤكد 
للجميع أنه يعرف ما بشكو منه ويعالجه بطريقته اللخاصة منذ عشرات 
السنين !. 

وحين مرض العقاد مرضه الأخير.. أصر على أن ما يشكو منه هو 
المصران الغليظ فى حين تمسك الأطباء الذين اجبره الأصدقاء على 
«الاستسلام » لفحصهم على أنه یعانی من شىء ما فى القلب وأنه سبب 
تدهور صحته فى المرحلة الأخيرة وليس الصران . 

أما هو العملاق الذى اعتاد أن يؤمن با بعتنقه من اراء وان يدافع 
عنها حتى الرمق الأخير فلفد كان جادل الأطباء «ويناظرهم» فى 
نظريات الطب والعلاج » فيخرج الطبيب من زيارته متعجبًا كيف 
درس العقاد الطب وق ای الکلیات تعلمه ؟ 

لقد كان العقاد العظم مریضا عظيمًا أيضًا .. لکنه لم يكن مریضا 
مثاليًا ! فلقد كان يرفض نصائح الأطباء .. ولا يستجيب ها إلا تحت 
ضغط مريديه وتلاميذه واستجابة لتوسلاتهم الحارة واستعطافهم له ! 
وكان العقاد معتدلاً ف نظام حياته إلا فى القراءة والكتابة اما طعامه 
فكان بسيطًا ومتقشفا ولا يعدو الطعام المسلوق طوال سنوائه الأخيرة 
كم 


ومنذ بدا يشكو من الصران الغليظ .. 

وكان يمشى كل يوم لأكثر من ساعة فى شوارع مصر الجديدة 
ليحافظ على حيويته حين كانت شوارعها تسمح للإنسان بالمثى . 

لكنه كان يجهد عقله وذهنه وقلبه بالعمل المضنى فى القراءة 
والكتابة والدرس .. وف الكفاح دفاعًا عن ارائه ومواقفه . 

ولأن الأشجار نموت واقفة شاخة دائمًا .. فلقد مات العقاد 
شامحًا کا عاش حاته كلها شام فى وجه الأعاصير !. 

وحين جاءته الهاية كان جالسا على مقعد مجوار سريره .. وکان 
وهو جالس يبدو عملاقا كشخص واقف على قدميه » وكان يضع 
كعادته بده فى جانبه الأيسر كا اعتاد أن يضعها على موضع ألم 
المصران .. كأنه للحظة الأخيرة يريد أن بقول للأطباء أن تشخيصكم 
حاطو . وأنى أعرف أ كثر مما تعرفون فأنا أعانى من المصران وليس من 
القلب .. ثم مال فجأة وببطء شديد ووقار إلى جانبه الأيسر قليلاً 
ومالت راسه معه .. ومات ! وانطوت صفحة كاتب عظم كرس حياته 
كلها للدفاع عن سلطان العقل فى وجه الظلام والخرافات والجهل . 

وكثرًا ما أتذكر هذه الصورة المؤثرة الى رسمها آنیس منصور 
للحظات الأخيرة فى حياة العقاد » وأتساءل هل تاج جميعًا إلى أن 
نكون كالعقاد فى «دائرة معارفه» عن الطب والأمراض والعلاج ! 
لنحیا حياة صحية سليمة ؟ وأجدنی دائمًا أجيب لا » لسنا نحتاج إلى 
ذلك .. ولا هو مطلوب منا ذلك فلسنا نحتاج إلى أن « نجادل » الأطباء 
فى علمهم وتخصصاتهم لكننا نحتاج فقط إلى قدر معقول من الثقافة 


Ao 


الطبية تمكننا من أن نتنبه إلى بدايات أى تغير غير طبيعى فى حالتنا 
الصحية ‏ لنسارع إلى علم الأطباء ليؤدى دوره ومهمته ! وهذا هو 
الفارق الأسابى بين المعرفة واحهل فى هذا المجال فالحهلاء و 
لا یتبپون إلى عوارض التغيرات الواضحة فى صحتهم إلا بعد أن 
يستفحل المرض ويصعب علاجه وأصحاب العقول هم من يسارعون 
إلى علاج الأسباب قبل أن تستفحل الظواهر . ولسنا مطالبين بأكثر من 
ذلك .. أما ومناظرة » الأطباء ومحادلتهم «وامتحان» معارفهم وتحدى 
تنشخيصاتهم ونصانحهم . . فقد تكون من عادات العباقرة وحدهم .. 
وربما كانت أيضًا من حقهم لأن للعبقرية حقوقا ا 
رض لا تخوعادة من بعض لمات الشعط ما وأمغالنا) من الاشخاص 
العاديين الذين يمثلون تراب الانسانية على حد تعبير الفياسوف الألمانى 
نيتشه فليس من حقهم هذا الشطط ولا هذا الجنون .. وربما لهذا 
السبب يعيشون اطول !. 


كم 


اراک .. لا تفعل ! 


جاء شهر رمضان .. رفعت كتب الأدب والتاريخ والفلسفة من 
فوق مکتی الصغير فى مسکنی وأعدتها إلى رفوف مكتبق .. وأنزلت 
من الرفوف بعض كتب السيرة النبوية وتراجم الصحابة والتفسير 
وأعلام الفكر الدينى ورصصتها على جوانب مکتی . هذا هو زادى 
الفكرى ومتعتى طوال شهر الصيام . أما مشروعى الأكبر فهو مستمر 
طوال العام بلا بداية ولا نباية . فشروعی الدائم هو محاولة فهم القران 
مستعيئًا بكتب التفسير الکبری - وحلمی الذى براودنی كلا أهل شهر 
رمضان هو أن أنتبى من هذه احاولة خلال أيامه ثم أجد من الوقت ما 
يسمح لى بأن أكتب كتابًا عن الشخصية التى تفتننى من شخصيات 
التاريخ الإسلامى .. وهی شخصية عمر بن الخطاب . تمنعنى الهيبة من 
الاقتراب من سيرة الرسول الكريم .. وتنحصر أحلامى فى شخصية عمر 
الذى أحببته .. وفتنت بعدله وشدته فى الحق ورحمته النى تتخفى وراء 
قوته ومهابته . 

يزداد عجى واعجالى من حفظوا القران فى طفولتهم ولو بضرب 
الفلقة فى الكتاب .. وأسأل نفسى مرارًا هل كانت نعمة أم نقمة أفى لم 


AY 


أدرك عصر الكتاتيب فلم أحفظ القران فى طفولتی والذهن بكر 
والذا كرة شابة لم توهنها الأيام ؟ 

ويزداد إحساسى بعجزى وقصورى كلا وجدتنى غير قادر على قراءة 
أكثر من بضع عشرات من آياته فى الجلسة الواحدة آتصبب بعدها 
عرق .. وأشعر بالحاجة لأن أريح رأمى من التفكير العميق وأعجب 
لنفسى كيف أقرأ أحيانًا كتابًا من ۲۰۰ أو ۳۰۰ صفحة فى ليلة بلا 
توقف ۰ ثم أعجز عن الاستمرار فى قراءات للقرآن لأكثر من بضع 
صفحات متوالية ؟.. افسر عجزى بان تهیی لقراءته وحاجت المستمرة 
لأن أكون فى قة تنبهى خلاها .. ورجوعى لكتب التفسير بين كل آية 
وأخرى وقراءلی لمقدمات السور .. هی السر فى بطئى الشديد .. لكن 
هذا التفسير وحده لا یقنعی . 

أقول لنفسى أحيانًا .. لقد نزل القرآن منجمًا على رسول الله (صلى 
لله عليه وسلم ) فى بضع وعشرين سنة على حسب ا-وادث والناسبات 
ونزل اغلبه فى مكة وضواحيها وسمى «المدفى» .. ونزل آية وايتين 
وأحيانًا أكثر من ذلك . 

فهل يحتاج الإنسان إلى بضع وعشرين سنة لكى يستوعبه 
ويستجلى كل معانيه ؟ 

من يدرى ؟ 

ينعقد لسافى من الانهار بمن يستطيعون تلاوته غيب وبغير خطأ 
واحد فى التشكيل أو الوقف » وأتوقف كثيرًا أمام من يقول «لقد شرح 
الله صدرى للقران فحفظته فى طفولتی » أو من يقول «حملت القرآن فى 


AA 


صدرى منذ صبای ».. وأسأل نفسى مرتعبا.. هل معنی بطثى الشديد 
فى دراسته أن الله لم يشرح صدرى له ! أخاف الإجابة وأتعلق 
بالأمل .. وكعادق حين أقف حائرًا أمام أى سؤال ألا إلى كتبى 
وقواميسى باحمًا عن الأمان . أرجع إلى كتب التفسير لأعرف معنى 
( يشرح صدره » فأجد «يشرح صدره ای يفسح ويقذف فيه نور 
ينفسح به» . اتلمس صدرى بیدی واتساءل متى يلق الله فيه نورا 
فينفسح ویتسع لحمل القران وفهمه ومن يدرى ربا حفظه لو آراد الله 
ذلك ؟ 

لقد كان بل جد بعيد قراءة القرآن غيبًا ومن ذاكرته خلال شهر 
رمضان ثلاث مرات فى قراءة متصلة من صلاة العشاء حتى الفجر .. 
يضع الصحف مفتوحًا أمامه ولا يكاد ينظر فيه نما يستغرق فى التلاوة 
من الذاكرة » ثم يبكى فى أخريات رمضان لأن الشهر الكريم قد آذن 
بالرحيل ول مم القران فيه سوى ثلاث مرات !. 

فأين نحن من هؤلاء الرجال ؟ 

أسأل نفسى أحيانًا هل من واجب كل مسام أن يحفظ القران كله 
خاصة إذا 7 يكن قد درسه دراسة منهجية منذ البداية .. وافكر فى 
السؤال طويلاً ثم آقول : إن استطاع فلیفعل و 
دام النظر فيه .. وجسبه آن مل به .. وأن يلتزم بقيمه السامية .. وا 
یفهمه حق فهمه . 

لقد سئلت السيدة عائشة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 
فقالت فى عبارة بليغة وموجزة : كان خلقه القران . فن لنا ببشر 

۸۹ 


خلقهم القران سواء ء أحفظوه أم قصرت أمانهيم عن حفظه أحاول أن 
اتذ كر من القائل «من كان رفيقه القران فلا خوف علیه » فلا 
أستطيع » ما أكثر ما تسرب من الذا كرة .. وما أقل ما صمد فيها 
للمحن !. 

أذكر انی أحسست بنفس التبيب الذى يتولانى حين أقدم على 
قراءة القران حين «جاهدت » من قبل لأقراً التوراة والاانجيل فى بداية 
رحلتی الشاقة لقراءة الكتب السماوية قراءة منبجية متأنية . ورحم الله 
صديق المستشار ماهر برسوم الذى طلبت منه نسخة من الكتاب 
القدس فأهدانيها .. واستغرفت فق قاتا شزیر راربا ال 
ليست الأديان السياوية فى جموعها سوی قم أخلاقية سامية ومثل عليا 
نبيلة لو التزم الا نسان بها لما عرفت الدنيا ظلما ولا شقاء ولا معاناة . بل 
حتّى الأديان غير السماوية أيضًا كالبوذية والهندوكية وغيرهما ليست 
سوى قم أخلاقية فا وجدت خلال محاولتى لدراستها دیا يسمح بالقتل 
أو السرقة أو شهادة الزور أو بظلم الانسان لأخيه الإنسان أو بإيذاء 
الاخرین أو قهرهم . .. فن أين جثنا نحن بکل هذه المظالم ؟ 

تهدا نفسى حين أستمع إلى الفران محودًا بصوت مشاهير القراء 
ویتجدد عجی لهم .. كيف حفظوه .. وکیف جودوا تلاوته .. وکیف 
حفظوا المد .. والغن .. والوقف الاجباری .. والوقث الاختیاری فى 
تلاوته .. وكيف استوعبوا بای فنون قراءئه الى نمثل علما عمیق 
الأغوار هو علم القراءات ؟ 

اخ بالرغبة فى البكاء إذا سمعت صوت الشيخ محمد رفعت 
۹ 


الخاشع الذی مدد دائما احزانی وأحس بنشوة غريبة إذا معت صوت 
سلطان القارئين الشيخ مصطف إسماعيل رحمه الله .. وأتذكر كيف 
موعته لول مرة منذ سنوات طويلة ی مدینتی الصغيرة دسوق حين كان 
يجىء إليبا مرة کل سنة ليحى ليلة وفاء لأصدقائه القدامى فيها.. لقد 
كان أول أجر تقاضاه عن هذه الليلة بضعة جنييات ثم علا نجمه 
وتضاعف أجره » عدة أضعاف لكنه ظل وفيا لأصدقائه فى دسوق 
وحريصًا على احياء هذه الليلة مرة كل سنة بنفس الأجر القديم .. 
ويحاول فى كل مرة الاعتذار عن قبوله ثم يستجيب لالحاح أصدقائه 
حجة أنه ليس أجرًا وانغا « بركة » فيتقاضى البلغ المتواضع شا کر .. 
وربما أعطاه لسائقه وهو فى طريق العودة للقاهرة . إن الفنان العظم .. 
غالبا إنسان عظم ايضا . 
أما صوت الرحوم عبد الباسط عبد الصمد - فلا أعرف لاذا 
يذكرفى دائمًا بصوت الکان من بين الات الأوركسترا .. وبرغم صوته 
الحزين فلقد كان رحمه الله من ظرفاء عصره قابلته مرة فى إحدى 
الدول العربية التى كان مدعوا لاحياء ليالى رمضان فيا فشكا لى من 
جمود بعض المتزمتين فيها الذين يأخذون عليه أنه يبدأ تلاوته كا يفعل 
الجميع «بأعوذ بالله من الشيطان الرجم ؛ يحجة أنها لم ترد فى الأثر.. 
ونا قرا «صدق الله العظم » وحجة إنها لم ترد فى الأثر یا م 
قال لى متعجبًا : ربا أستطع أن أستغنى عن الاستعاذة بالله من 
الشيطان فى بداية التلاوة لكن كيف أنبى تلاو إذا استغنيت عن قول 
دصدق الله العظم» .. هل أعزف السلام امجمهوری مثلاً ؟ 
11 


يطربنى من أصوات القراء المعاصرين صوت الدکتور أحمد نعينع 
وصوت الشیخ راغب غلوش وکلاهما من مدرسة قاری العظم الشیخ 
مصطنی |ساعیل فى حلاوة الصوت وقوة الأداء .. وتعجبنی اصوات 
كثيرة لقراء اخرين أنهر بهم جميعًا .. ویظل حفظهم للقران وقدرتبم 
على تلاوته غيبًا من الخوارق البشرية فى نظری ۱. 

أعود إلى مشروعى الداثم .. واقرن أن أكون اکر تنم لوقتی 
خلال رمضان هذا العام لأحاول قدر جهدى أن نمی قراعق المتأنية 
للقران فيه » سأحترس أكثر من الاستغراق فى كتب التفاسير لأواصل 
القراءة بمعدل أسرع .. سأتنبه أكثر لعدم الاستغراق فى قراءة كتاب 
الراحل الأستاذ سيد قطب الرائع «فى ظلال القران» بين كل سورة 
وأخرى کا أفعل دائمًا حت لا يسرقنى العمر قبل أن ام مشروعى .. 
ويكفينى أنى قد كرات اکث من مرة . 

يلح على السؤال دائما كيف تبددت سنوات العمر تخر ان أستطيع 
تحقيق هذا المشروع العظم .. واتساءل مشفقا : هل يتسع ما بق منه 
لاتمامه وان ۸ يتسع ایکون الإنسان جديرًا بعقاب ربه ؟ 

يضيق صدرى كلا وصلت إلى هذا التساؤل .. ثم يخف حزنی قليلا 
كلا تذكرت أن رحمة الله قد وسعت كل شىء . 

واردد لنفسى دائما كلا ضاقت بعجزها وقصورها دعاء زاهد 
الكوفة عمر بن ذر على » الذی كان الامام آبو حنيفة النعان صاحب 
منهج العقل فى الشريعة يصلى وراءه ویدعو بدعائه . 

فقد كان زاهد الكوفة بناجی ربه عقب کل صلاة قائلاً : 
۹۲ 


«أتعذبنا يارب .. وف جوفنا التوحيد ؟ أراك لا تفعل » . 


نم .. أراك لا تفعل .. أو هذا على الأقل هو الأمل والرجاء 
والدعاء . 


فاللهم لا تفعل ۱. 


۳ 


صخور الآخرين ! 


هل أدلك على مدرسة مجانية تعلم فيها تعليمًا رائيًا كل يوم بلا 
مصروفاث ولا دروس خصوصية ؟ 

راقب الآخرين .. وأعرف بم یتمیزون عنك .. وماذا يحب الناس 
فهم ولاذا يبوم .. ثم حاول أن تكتسب صفاتهم الحميدة 
وميزاتهم .. وراقب الآخرين وحدد عيوبهم والصفات الق تكرهها 
فيهم .. والأشياء التى تبعّض الناس فيهم وحاول أن تتجنها .. تضف 
إلى مؤهلاتك کل يوم مزايا جديدة وتخصم من عيويك کل يوم المزيد 
وتفز فى النباية بحب الآخرين واحترامهم . لقد كان الفيلسوف 
الأمريكى إيعرسون ‏ ۱۸۰۳ - ۱۸۸۲ - يقول : كل شخص ألقاه 
يفوقنى فى ناحية واحدة على الأقل أستطيع أن آحذ عنه فیها هذه الناحية 
وأن اتعل !. 

وهذا صحیح تمامًا ولو طبقت هذه القاعدة لوجدت نفسك تلقائيا 
تحترم الجميع وتستفيد من الجميع مها صغر شأنهم . 

فالناس من حولنا هم دائما مزاياهم وعيوبهم ولم يعرف التاريخ 
اب بشرًا كالملائكة إلا الرسل والذين تأدبوا بآدابهم وف کل زمان 


1: 


ومكان هناك آخیار وأشرار .. وناس هم ضعفهم وفم قوتهم وم أت 
زمن أبدًا كان فيه «الناس ناس .. والزمان زمانا» يا قال الشاعر العربى 
متحسرًا » لكن الشكوى من الزمان ومن تغير الناس وضعف أخلاقهم 
قديمة قدم الزمان .. فنی الجاهلية قال الشاعر الجاهلى لبيد الذى طال به 
العمرحتى له ذهب الذين يعاش فى أكنافهم !؛ ويوم فح مكة قال 
آحدهم «اسكتى يا فلانة فقد ذهبت الأمالة » | ويوم غزوة بدر قال 
آآخر وبطن الأرض اليوم خبر من ظهرها | أى أن من مله فى بطنا 

من الراحلين أفضل من بقوا فوق ظهرها !. 

وعثر العلماء على نصوص أدبية من العصر الرومافى تنعى على الناس 
تدهور أخلاقهم وفساد ذنمهم . . وتدين انتشار ظاهرة الانتحار ضبق 
بالحياة ! 

إذن فالشكوى قدية .. ونحن حين ننعى على الناس أخلاقهم الى 
تدهورت .. |عا نولول تفر ان نشعر على أيامنا الق ولت وشبابنا الذى 
ضاع . أما الناس ففيهم دائما مزایاهم وفييم دائم نقصهم وعیو,بم 
ولسنا بدعًا فى ذلك !. 

ومعظم مشاكلنا فى التعامل مع الآخرين تأق من خطأ فى تفكيرنا 
نحن لا فى تفكيرهم هم . فنحن نفكر فى الناس دائمًا کا لوكانوا مثلنا 
اما متطابقين معنا فى کل الصفات النفسية والأخلاقية .. وبالتالى فإننا 
نتعظر منهم أن يتصرفوا معنا كما لو کانوا نحن وكنا هم .. فإذا جاء ما 
نتظره منهم أقل ما نتوقعه صدمنا فيهم وتغيرت مشاعرنا تجاههم 
وخسرنا صفاء نفوسنا .. ورعا خسرنا صداقتهم > ونكرر هذا الط 

۹9 


دائمًا مع أن كل انسان هو وحدة قائمة بذاتها » لهذا فلابد أن تختلف 
ردود أفعاله إلى حد ما عن ردود أفعال الآخرين .. وما لم نعرف ذلك 
ونوطن النفس على قبوله .. عانينا معهم .. واتهمناهم بالححود وخسرنا 
سلامنا النفسى .. وازداد إحساسنا بالغربة ونحن وسط زحام الآخرين . 

إن عالی النفس ماك بين ورونالد جونسون ی کدان أنه لا يوجد فى 
الدنيا كلها شخصان متائلان عاما فى صفانبا النفسية واطسمية .. وان 
كل إنسان يعتبر عديم النظي ركبصمة اصبعه التى لا تتكرر فإذا عرفنا 
ذلك وفهمناه استرحنا وأرحنا وعشنا حياتنا بمعاناة أقل. وأفضل سلاح 
تستعين به على أن تعايش الآنحرين فى سلام هو أن تؤمن بأنك إنسان 
مختلف لكنك لست إنسانًا متميرًا على الآخرين لأن اختلافك عن 
الآخرين يقنعك باختلافهم عنك ويعنيك على فهم تصرفاتهم امختلفة 
عن تصرفاتك .. ویساعدلك على تقبلها وتلمس الأعذار لهم فيها .. أما 
إحساسك بالامتیاز عنهم فلا يخلق لك سوى الأعداء ۱. 

فلقد كان أحد الفکرین الأمريكيين يقول : إذا أردت أن تخلق 
لك الأعداء فتميز على أصدقائك .. أما إذا شعت أن تكسب 
الأصدقاء فدع أصدقاءك يتميزون عليك . 

وخير ما تفعله فى هذا الشأن ایضا هو أن تؤمن مع أبى حيان 
التوحيدى بأن الحقيقة أكبر من أن يدركها عفل واحد .. وإنه لو وضع 
فيل أمام جر أشخاص مكفوفين وتحسس كل منهم الجزء الذى 
یواجهه لقال احدهم هذا خرطوم .. وقال الثای هذا عاج .. وقال 
الثالث هذا حائط ؛ وکل منهم صادق لأنه عبر عن الحقيقة کا أحسها 
11 


هو بمدركاته وبعقله احدود .. 

فإذا تفكرت فى هذا المثال الذى أورده التوحیدی آمنت بأن کل 
رأى قد حمل جانا من الحقيقة وإن بدأ مخالفًا ناما ما نعتقد أنه الق 
والصواب .. ولتعاملت مع آراء الآخرين با تستحقه من احترام .. وبما 
يستحقونه هم من إنصاف وتقدير ولتجنبت الكثير والكثير من الاخطاء 
والعثرات . فالحق أن الحياة ملاحة صعبة فى بر تعترضه الصخور 
والجنادل وكل إنسان يحتاج إلى أن يكون ملاحًا ماهرًا ليقود سفينته 
الصغيرة فيه يحكمة بغير أن تتحطم على صخور الآخرين . 

والربان العظم العادل عمر بن الخطاب كان يقول : ضع أمر 
آخيك على أحسنه حتى يجيئنك منه ما يغلبك على طنك . ای توسم فيه 
الخير إلى أن يصدمك بشره وكان يقول عليك باخوان الصدق فإنهم 
زينة فى الرخاء .. وعدة فى البلاء وکان یقول ایضا لا تطلين حاجتك 
إلى من لايحب نجاحها لك أما أنا فانی أتذكر دائمًا عبارة الفکر 
الفرنسی جان جاك روسو التی قال فيها : كان عندى ست نظريات 
لتربية الأبناء وليس عندى ولد واحد » والآن صار عندى ستة أولاد 
ولیس عندى نظرية واحدة لتربيتهم !. 

فإذا سألتنى لاذا أتذكرها أجبتك بای أنا ایضا عندی ست 
نظريات للحياة بسلام مع الآخرين لكن کل أملى هو أن تنجح واحدة 
منها قبل أن ينتبى العمر !. 


۹۷ 


نفثة ... فى الهواء ! 


كتب إلى يقول : 

آنا شاب عمرى ۲۲ سنة طالب باحدی الكليات النظرية .. وأجيد 
رياضة الکونج فر باق انات متنا اسلوب « شارلن » و «سن » وها 
من آقوی آسالیب هذه اللعبة وحتاج الالام بها الى تدریب شاق 
وارادة قوية كا أجيد أيضًا الضرب بالعصا بعدة أسالیب .. هذا أنا .. 
أما مشكلتق فسوف تتعجب ها . و د الدفاع 
عن نفسی آمام عدوانية الآخرين القى انتشرت الآن وأصبحت ظاهرة 
من ظواهر حياتنا الاجتّاعية . فأنا إنسان طيب وهادئ بطبعی وم 
دائمًا ولا أحب التشاجر لكن كثيرين من الناس بتصورون أن هذه 
الطيبة ضعف .. لأننا أصبحنا فى عالم لا يعترف إلا بالقوة وكأى إنسان 
قد تدفعنى الظروف للاحتكاك بالآخرين .. وقد يتطور هذا الاحتكاك 
إلى تشاجر رغم أنى أحرص ص - والله العظم - على ألا تصل الأمور إلى 
هذا اد .. فاذا حاولت أن اميق موضوع الشجار باللبن والسماحة إذا 
بالشخص الآخر أو الأشخاص الآخرين بظنون ذلك ضعفا منى » 
ويتهالون على باللكئات وأنا واقف عاجز كالمشلول لا أرد علیهم 


۹۸ 


ضرباتهم .. ويتعجبون من قدرفی على تحمل هذا الضرب .. ولا عجب 
فى ذلك لأنه لا يؤثر فى فعلاً.. وأتحمله لأنى أخاف على الشخص 
الآخر أكثر ما أخاف على نفسى لأنی أعرف قوق .. لكنى حزين 
يا سيدى لما وصلنا إليه فى العلاقات الإنسانية .. فهل أصبح الإنسان 
الطيب الادئ الذى يتعامل مع الناس برفق ضعيفًا .. وهل أصبح 
الناس لا مخشون إلا القوة . لقد توقفت عن التدريب على الكونج فو 
منذ سنوات .. لأن الناس لا يتركون أحدًا فى حاله .. فقد كنت أجرى 
فى الشوارع كجزء أساسى من التمرين .. فلا اس من التعليقات 
امازئة وطول اللسان فهذا بقول : ناس فاضية .. وذالك بقول : شوف 
طول إيه وبيجرى فى الشارع .. وثالث يقول : زوخ ذا کر لك کلمت 
أحسن .. وأسأل نفسى : هل أسأت إلى أحد .. هل ضايقت احدا .. 
اذا إذن لا يدعوننى فى حالى وكل هذا إذا جريت فقط .. فا بالك إذا 
قت بالحركات البهلوانية الأساسية فى التدريب .. إنها ليست مشکلتی 
وحدى لكا مشكلة كل الرياضيين الذين لا جدون مكاناً للتدريب 
سوی الخدائق والشوارع .. ومشکلة کل الناس الذين یتألون من 
عدوانية الكثيرين الذين یظنون طيبة الآخرين ضعفاً وأنا لست ضعيفا 
ياسيدى لكنى إنسان هادئ .. وقد أقسمت قسماً وعاهدت نفسى ألا 
استخدم قوتى ضد أحد .. والتزمت بهذا العهد .. ولم أخرقه سوى مرة 
واحدة والّه شهيد على ما أقوك .. وقد تألت لاضطرارى لفرقه رغم 
نبل هد فيه .. فقد كنت را كبا القطار ذات يوم ورايت مجموعة من 
الشبان تعا كس فتاة بفجاجة وتضايقها حتى استغائت منهم .. وهالنی 

۹ 


أن الناس وقفوا عاجزين لايحركون ساكناً فى عربة القطار لأن مظهر 
هؤلاء الشبان كان بوحی بأنهم بلطجية .. فتقدمت منهم وحاولت 
نصحهم باللين والأدب ففوجئت بهم ينهالون على بالشتائم القذعة .. 
والتعاهات الساخرة ی قل الك تفسی و ه طحت » فیم ضراً شتط 
أحدهم مغشياً عليه . .. وتراجع الباقون وهم یسحبون زميلهم کا يفعل 
الحنود بعد المعارك الخربية رغم ام كانوا أسوداً منذ الحظات .. 
ووجدت نظرات الاعجاب تحبط بى من کل جانب .. فلم أتحملها لأنى 
لا أحبها فى الأذى ونزلت من القطار قبل محطتى ومشیت آفکر .. ماذا 
جرى لنا .. لاذا لانتعامل بالعروف . . ولاذا اصبح للقوة کل هذا 
الاحترام . . آننی أريد ميك أن توجه کلمة للناس ترجوهم فيبا أن 
يدعوا كل إنسان فى حاله .. وألا يعتبروا الطيبة ضعفاً وشکرا لك .» . 
© انهيت من قراءة رسالته.. ووجدتتی أفكر فيها طويلا ثم 
اآسکت بالق لأكتب له هذا الرد فى بريد الجمعة بالأهرام : 

رسالتك تنكأ ا ند من آوجاع حياتنا الاجمّاعية هی سمة 
العدوانية والشراسة الى تسم ہا معاملات الكثيرين الآن مع 
الآخرين . . ابا فى رای احدی ظواهر مجتمع الزحام الذى نعالى منه 
الان . 

ففى الزحام تتراجع قم التعاطف والكياسة والعدل . .. وتتقدم فم 
الأنانية والفردية والعدوانية .. ذلك أن نفسية الحشد تنم دا نما بسرعة 
التبيج والعدوانية على عكس نفسية الأشخاص حين يكونون فرادى 
وتستطيع أن تلمس ذلك فى أمثلة بسيطة فى الحياة فحين تكون أمام 
۱۰۰ 


باب ضیق للخروج مع شخص آخر أو شخصين . . فانك غالبا وف 
تتراجع وندعو غيرك ليتقدمك لطفاً مك ود أما إذا نم ألفاً و 

أن تخرجوا من هذا الباب الضيق فى نفس الوقت فإنك غالباً سوف 
تتنازل عن هذا اللطف وتنشغل بمحاولة اروج ولوحاولت سبق غيرك 
إليه .. وهذا بالضبط هو ما نعانيه الآن من اخخلاقيات مجتمع الزحام 
وال داغا هو أن يستبدى کل إنسان بقم دينه فى معاملاته مع 
الاخرین وان تسود روح العدل عند الأشخاص . . فلا يظلمون ولا 
يُظلمون .. فروح العدل هذه هی التی تسهل الحياة وتذلل صعوباتها 
ولستت: افون لا قانون شخصی ینع من داخل الانسان 
ولايجتاج إلى رقيب عليه لتنفيذه وقانون إلى يفرض على الرء أن يحب 
للآخرين مامحب لنفسه وأن يسام للاخرین, بحقوقهم كا يتمسك هو 
2 .. وألا محاول ان بمب سق وه أو يمتبن کرامته ابتداء من 
قه الأساسية .. إلى حقوقه البسيطة فى ألا يضايقه أحد بتعليق ساخر 

أو كلمة نابية وهو يمضى فى الطريق . 
آما تساؤلك عن الطيبة والضعف فلقد ذکرنی بالقصة اهندية 
القدية عن الثعبان الذى استيقظ ضميره وأراد أن يكف عن إيذاء 
الآخرين .. فسعى إلى راهب هندى يستفتيه فى أمره فنصحه بأن 
ينتحى من الأرض مكاناً معزولاً وأن یکت بالتزر اليسير من القوت 
تكفيراً عن جرائمه ففعل لكنه لم يسترح لأن عصبة من الصبيان جاءوا 
إليه فقذفوه بالأحجار فلم برد اعتداءهم . .. فشجعهم ذلك على أن 
يذهبوا إليه کل يوم » ويقذفوه بالأحجار حى كادوا يقتلونه .. فعاد إلى 
0 


الراهب يستفتيه مرة أخرى فقال له الراهب : انفث ف اطواء نفثة کل 
أسبوع ليعلم هؤلاء الصبية أنك تستطیع رد العدوان إذا آردت .. فعمل 
باللصيحة وابتعد عنه الصبية واستراح . 

وخلاصة القول : إن الطيبة ليست ضعفاً .. وإنما هی ترفم عن 
الأذى .. خوفاً من عقاب الله .. وطمعاً فى رحمته » لکنی اخثی أن 
آقول إن ظروف حياتنا وتعقد العلاقات الاجناعية فيها الآن قد 
أصبحت تتطلب التفرقة بين طيبة القوة وطيبة الضعف مع أن كليتها 
مرغوبة ومطلوبة فى كل الأحوال » وللدكتور زکی نجيب محمود تصوبر 
طريف فى هذا لمجال يشبه فيه الناس بثلاثة أمثلة .. المثال الأول : 
بالأسد الذى لایبدا العدوان لكنه يرد الاعتداء عليه إذا وقع . 

والثانى : بالذئب الذى لايبداً العدوان ويرد الاعتداء عليه . 
والثالث : بالحمل الذى لايبداً العدوان .. ولايقدر على رد الاعتداء 
عليه فيسهل أكله . 

وكلا انتشر مثال الذئب فى أى مجتمع تعقدت الحياة فيه وأصبحت 
رحلة غير مأمونة العواقب » وكلا انتشر مثال الأسد فيه اعتدلت 
الموازين واستقامت الحياة . والطيبة فى رأیی لاتتعارض مع حق 
الإنسان فى أن يرد الاعتداء عليه بالطرق المشروعة ولولا حشيتى عليك 
من أن توردك قوتك العضلية موارد التهلكة فتورط نفسك فى متاعب 
قانونية ویضیع مستقبلك .. لنصحتك بأن تكون طيبتك من نوع طيبة 
الأسد الذى لايبداً بالعدوان لكنه يرد الاعتداء عليه بالردع لهذا فلن 
أنصحك إلا بأن تمضى كا أنت ياصديق مطمئناً إلى أن طيبتك ليست 
٠6١,‏ 


ضعفاً .. ولا بأس بأن تنفث ف المحواء نفثة واحدة كلا اشتدت الحاجة 
إلى ذلك لیعرف الآنحرون انلك قادر على رد الاعتداء إذا اردت .«. 
ترى هل نقست عا فى صدره بهذه الکلات . أم ترانی نفست بها 
عا فى صدرى أنا حين آرانی مضطرا فى بعض الأحيان لأن أفسر 
للبعض حلمى عليه .. بأنه ليس ضعفًا ولا تاذلا ولا تفريظًا فى 
الحقوق وانما هو قال اخلیفه المتصم نات يوم : لكى تعرف 
الم أن صدرنا لا یضیق عن الحم . . رغم ا العزم ! ! 


۰ قصة قصيرة من اوراق طفل سابق ٠٠‏ 


ای من ترس فا ارقن أن توق يك امن اناد اف 
باحساس غامض إلى أن شيئاما غير مألوف يجرى فىالبيت هذا 
الصباح .. انزلق من سريرى فأكتشف غياب شقيق الأكبر الذی 
يقاسمنى غرفتی .. اتعجب متى استيقظ وهو من لايغادر الفراش إلا 
بزوبعة .. أغادر الغرفة مستطلعا فامع وحوحة ترافقها همهمة حانية .. 
اتقدم إلى الصالة الصغيرة فأجد شقيق بصعد السام من الدور الأرضى 
ببیتنا القديم بصعوبة وا يسنده هامسا له بان يخفض صوته حتى 
لايزعج النائمين أتعجب للمشهد ولا أفهم سره .. وأرقيهها وما يخطوان 
برط ء حتى يدخلا حجرة وم آنی. بعد لحظات يحرج مها أ وتخده 
فيرافى لأول مره .. ینزعج قليلاً مك نفسه وحبینی برقة .. أرد تحيته 
بقلب تشرّب حبه منذ نبض أولى نبضاته » يشير إلى أن آقترب منه .. 
فأنجه إليه مبتهجًا يدعونى للهبوط معه إلى الدور الأرضی حیث غرفة 
الجلوس فى بيتنا أتدحرج على السلم چواره سعیدا مؤملا أن 
يصحبنى معه إلى عمله حيث استمتع بإفطار من السوق وكوب شاى 
ساحن . أكتشف فى عجلق أننى ارتدى جلباب النوم والشبشب 


۳ 


فأتوقف مستأذنا فى العودة لإرتداء ملابس الخروج والحذاء فيشير لى 
بيده ألا أهمية لذلك . اسعد ببذا التغير المفاجئ فى تشدده ازاء مسألة 
لبس ملابس لائقة والخذاء عند الخروج وأواصل هبوط الدرج . نصل 
معا إلى الدور الأرضى فلا يتجه إلى باب الخروج وإنما يحذبنى للناحية 
الأخرى فأطيع مابيا . أتوقع أن يتجه إلى دورة المياه الصغيرة فى الدور 
الأرضى كعادته قبل مغادرة البيت لكنه بعبرها بلا توقف ويتجه إلى 
غرفة الجلوس . أدخل الغرفة معه فأجد شخصين غريبين يرحبان بى 
بنظرة باسمة . يستقر ألى فى مقعد وثير » فيطلب مى أحد الرجلين طلبا 
عجيبا هو أن أجلس على رکبتیه ! أنظر لأبى باستغراب فأجده غير 
مبال بالأمر . أشكر الرجل الغريب وأبلغه أفى مستريح هكذا فى مقعدى 
لكنه يتمسك بطلبه باصرار غريب . أرفض أن أتحرك فيتعاون الغريبان 
على حملى بالقوة ويجلس أحدهما ثم لسنی على ركبتيه وينشغل الأخر 
بأشياء غريبة .. استغيث بای .. انظر إليه مرتاعا فلا اجد منه سوى 
نظرة جامدة آهم بالفرار فأحس بذراعى الرجل الجالس تطوقافی بقوة 
وتتصاعد المأساة فأرى الآخر يمد يده والح فى رعبی شین أشبه بالسكين 
فى بده فأفقد معنی الأشياء وأصرخ من اعاق متوقعا فى كل لحظة أن 
يبب ألى من مقعده ثاثرا فيطيح بالرجلين بضربة واحدة لكنى آحس 
مرارة الخذلان قاسية فى جموده وینتمی كل شىء فى ثوان ويرفع 
الرجل الواقف أمام عینی المرتاعتين قطعة من الشاش يلوح بها باسما . 
يشغلنى عن الألم احساسى الشديد مخيانة أي واستدراجه لى بثقق 
الكبيرة فيه إلى هذا الفح .. أرفع إليه نظرات العتاب فيمتزج الاشفاق 


1*6 


بالشعور بالذنب فى ابتسامته الحيية . يفك الرجل الجالس قيوده عنى 
فأتزلق إلى الأرض محاولا المرب لأشكو لأمى فأحس ألما شديدا عند 
الحركة .. أتوقف عاجزا فيجىء ألى ليسندفى ویدفعی برفق ناصحا لی 
بأن أباعد بين ساق .. أفهم فى هذه اللحظة فقط سر وحوحة شقيق 
الأكبر ومشيته المنفرجة . آلوم نفسى على غبانى لأنى ۸ أتنبه الحقيقة 
المؤامرة حين رايته خجل ويتوجع وأبى يحذره من رفع صوته .. 
أكتشف فى هذه اللحظة أن الله لم مهبنى الذكاء الماح الذى مجنب 
الإنسان امخاطر قبل اقترابها . ولشهور طويلة بعدها أهمس لنفسبى كلا 
تذكرت هذه الواقعة.. اه لو فهمت معنى الأشياء فى الوقت 
الناسب ؟. 

لکن مى استشعر الانسان اقتراب احاطر وتفاداها قبل وقوعها ! 


سرقونى 


فوجئت به منذ شهرين يطلب مقابلی . رن اسمه فى أذ رنينا 
خاصا فتساءلت بینی وبين نفسى : هل هو حقا الصديق القديم أم 
شخص آخر يحمل نفس الاسم ؟. 

كان اليوم يوم اثنين وهو يوم مقابلات قراء بريد الأهرام » وجدول 
لقاءانى فيه حافل ولا يسمح باستقبال زاثر جديد على غير موعد فکدت 
اعتذر عن عدم لقائه لکنی خشيت فرصة الواحد فى الائة لو اعتذرت 
م تبين فيما بعد أنه الصديق القديم الذى لم أره منذ عشر سنوات > 
فطلبت من استقبال الأهرام أن يسمحوا له بالصعود » وما أن وصل 
إلى مکتی حتی حرجت إليه لأتأكد من صدق ظنی » فاذا به هو نفسه 
الصديق القديم » فرحبت به مبتهجا ورحب بى ورأى الزوار العديدين 
ينتظرون مقابلتی فطلب منى بهدوئه التقليدى ألا أشغل نفسی به لأنه 
جاء بغير موعد وسوف ینتظرنی إلى أى وقت من الليل » فخشيت أن 
يضيق بوجوده بين المنتظرين ففتحت له مكتبًا مجاورا لکتی ودعوته 
للانتظار فيه وطلبت له فنجانا من القهوة وعدت لزوارى واستغرقتنى 
اللقاءات .. فاذا بالساعة قد بلغت الواحدة صباحا فنهضت مفزوعا إلى 


۱۷ 


صديق لاطمئن إلى أنه ینصرف وفتحت باب المكتب فوجدته 
مستغرقًا فى مراجعة بعض آوراقه . فى هدوء وبلا أى ضيق › 
بالانتظار » فعدت به لکتی واسترحيت نفسيًا .. وبدأنا نتبادل 
أحاديث الذ کریات الجميلة . ونحن طالبان بكلية داب القاهرة .. 
والقلب بكر والمشاعر غضة .. وشبابنا يبيىء لنا أن الدنيا بين أيدينا فهو 
واحد من هؤلاء الأصدقاء الذين اصطلحت على أن أسميهم أصدقاء 
الروح الذين لا تحتاج معهم إلى كلام طويل .. لأنك تفهمهم 
ويفهمونك بغي ركلام .. واستغرقتنا الذ كريات تم توقفت عن الحديث 
لحظة لأهيئ له الفرصة ليحدثنى فيما جاء من أجله . وفهم هو 
بذكائه ذلك فقال على الفور : لم أجئ إليك لطلب شخصى ولا لأى 
عرض من أعراض الدنيا.. وإنما جثت إليك لأراك لأنك قد 
« نقحت » على فجأة منذ أيام كا أنك « تنقح » على كثيرًا منذ فترة .. 
وأحس أنى فى حاجة لرؤيتك .. فلا اشتد على « النقح » جئت لأراك 
وأجلس معك ساعة من العمر ثم يعود كل منا بعدها لحياته ! . 

وسمعت كلامه » باهټام شديد ثم وجدتنی أقول له بغير وعى وكأنى 
أحدث نفسى : لقد كنت أظن آنی وحدى الذى أعانى من هذه 
المشكلة حتى كدت أشك فى أنها عارض نفسی من عوارض 
الاكتئاب !. 

وسألنى عا أقصده فشرحته له » واستسلمنا لأحاديث الذكريات 
ساعة أخرى مرت كلمح البصر ثم ودعنى وانصرف بغير أن نتفق على 
موعد جديد كعادتنا معا وربما تمضى سنوات أخرى إن كان فى العمر 


۱۸ 


مثلها قبل أن نلتق مرة أخرى فهكذا كان حالنا معا منذ ثلائین سنة أو 
اک ومع ذلك فهو فى مقدمة أصدقائى الحقيقين الذين أعايشهم فى 
حیالی سواء التقينا بهم أو ۸ نلتق .. وسواء تزاورنا أو انقطعت بيننا 
الصلات » ول من نوعه باقة جميلة من أصدقاء الصبا والشباب 
ورحلة العمر الذين فرقت بينى وبينهم السافات وحن القارات وقد 
لا لتق بأحدهم أكثر من مرة کل سنة .. وأحيانا كل عدة سنوات » 
ورغم ذلك فهم أصدقاء حقيقيون لى أحس بقربهم إلى رغم تفرقهم 
فى البلاد وأتذكرهم .. دائمًا .. وقد أقف أمام المرآة لأحلق ذقنی ذات 
صباح فتقفز إلى خاطرى صورة أحدهم وأحس حنينًا غريًا إليه .. 

أتذ کر فجأة موقفًا بينى وبين صديق قديم واستعيد ا 
حوار فيه ورا ابتسمت إذا كان الوقف ا .. وربما ضحکت 
أيضا » بل وربا نسيت نفسى فتحول الحوار الصامت داخلى إلى حوار 
ناطق فنطقت رغمًا عنى ببضع كلات رددت بها عليه ! ولولا أنى 
قرأت فى بعض كتب عل النفس أن ذلك وارد فى حياة كل إنسان تلح 
عليه خواطره ولا عيب فيه لظننت بنفسى الظنون . بل إنى قد اتعرض 
ف حياق اليومية لموقف طريف معين فلا يخطر على ذهنى وقتها إلا 
صديق ۸ أره منذ عام فأقول لفسی إنه سيضحك من أعاقه عندما 
أرويه له ! وحين ألتق به بعد ذلك يكون هذا الموقف هو أول ما 
أحادثه فيه . وقد اتعرض لوقف آخر فأجدنى أقول لنفسى لن يدرك 
عمق المفارقة فيه إلا صديق فلان .. وقد أكون ۸ ألتق به منذ عامين أو 
اک 


۱۹ 


فصلتى بژلاء الأصدقاء القدامی .. صلة دائمة ومتصلة سواء 
ألتقينا کثیرا أو لم نلتق » وأصدقاق الجدد الذين كسبت صداقتهم 
خلال رحلة الحياة يعرفون كل شىء عن هؤلاء الأصدقاء لأنى لا أ کف 
عن الحديث عنهم مع أصدقاء السنوات الأخيرة فاذا ما جمعت بين 
مدق قديم وصديق جديد فوجىء القديم بأن الآخر يعرفه بل ويعرف 
ایضا بعض ذكرياته الخبيثة !| وأصدقاء الصبا والشباب أصدقاء 
لا یعوضون وکلا سقط منهم واحد سقطت معه ورقة جديدة من أوراق 
العمر فهم كما قال الشاعر : 
وقد تعوضت عن کل بمشيهه 
فا وجدت لايام الصبا عوضا 


ولا شىء یغذی الروح أفضل من الحب بمعناه الكبير » حب البشر 
وحب الأصدقاء وحب الخير.. وایال .. والعانی السامية فى الحياة > 
واتعس الناس هو من حرم من نعمة الصداقة والقدرة على أن يحب 
الناس وان تیوه 6 وكارة الناس لا يستطيع أن یکون صدیقا لأحد 
ولا يستطيع آن یکسب صدیقّا ا یکون توء ما لروحه . 

والحكه الصينية التّى تقول أن الرجل الذى لا يعرف كيف بہت 
لايحق له أن يفتح متجرًا » تنطبق أيضًا على الصداقة والأصدقاء لأن 
من لا يعرف كيف يحب الآحرين لا يحق له أن يطلب من الآآخرين أن 
يحبوه » وأنا لست من المؤمنين مع المتبنى بأن « وخير صديق فى الأنام 
كتاب » مع أنى من يعيشون حياتهم بين الكتب فى معظم الأحيان › 


۱1۱1۰ 


لکنی أعرف أيضًا أنها لا تغنينى عن الحاجة إلى أصدقاء الروح والعقل 
والقلب . 

ولقد أثارت خواطری عن أصدقاقى القدامی رسالة تلقیتها من قارئة 
شابة تقول لى فها أنها تحس من قراءاتبا لمقالى « نماذج من البشر» 
الذی روبت فيه عن أصدقاء خياليين لى أكتشفتهم فى بعض الأعال 
الأدبية والتاريخية وأحببتهم أنى أفتقد الأصدقاء فى عالم الواقع .. لهذا 
فإنى احث عنم فى عالم الخيال !. 

ففرعت من هذا اثاطر . ورددت على هذه القارئة الشفقة برسالة 
قلت ها فیها : إفى والحمد لله لست محرومًا من الأصدقاء » لکن ذلك 
لا يمنعنى من هواية البحث عن أصدقاء الخيال فى الآدب . 

وتذكرت بعدها کل أصدقائى الذين حالت بینی وبينهم مشاغل 
الحياة » والذين تفرقوا بين المدن والدول والقارات ومع كل منهم قطعة 
من نفسی وصباى وشبابی کأنی أوزوريس الذى مزق إله الشر جسمه 
ووزعه بين البلاد وشعرت باللوم هم جميعًا .. ولنفبى أكثر لأننا 
استسلمنا جميعًا لمشاغل الحياة .. ولم نقاوم هذا الوحش الذى يلتهم ما 
بق من أوراق العمر ويصرفنا عن لقاءات الروح القديمة. 

فيا أصدقاق القدامى التناثرین فوق الكرة الأرضية ما بين دسوق 
والاسکندرية والقاهرة ولندن وباریس وجنیف وأبو ظبی والبحرين 
والریاض ومع کل منم قطعة من جسدی المزق : أعيدوا ترکیب 
أجزاق المبعثزة بسرعة کا فعلت إيزيس مع حبيها آوزوریس .. وإلا 
والله العظم .. أبلغت الشرطة !. 


۱۱۱ 


١15 


نفثه فى المواء 


هاو م و وقوه .همعد يه موم و .نو هام . هو مثو نون جيه 


.ا ع مه و و و م ورمع وم وم و و و ومع مهو و و همم نمم 


۱ -أصدقاء على الورق 
۲- یومیات طالب بعثه 
۳ هتاف العذبین 
4 - صديق .. لا تأكل نفسك 
هنبر الحياة 

5 دموع صامتة 
٠‏ العصافير الارساء 

۸-صدیق ما أعظمك 


نمت الطیع 


اصدقاء على الورق 
صديق لا تأكل نفسك 


هتاف المعذبين 


للمو لك 


الطبعة الأولى 
الطبعة الأول 
الطبعة الأولى 
الطبعة الأولى 
الطبعة الأولى 
الطبعة الأول 
الطبعة الأول 
الطبعة الأولى 


الطبعة الثانية 
الطبعة الثانية 
الطبعة الثانية 


5 (نفد ) 
۱۹۸۷ 
۸ (نقد ) 
۹ (نفد ) 
۱۹۹۰ 
1۹4۰ 
۱۹۹۱ 
۱۹۹۱ 


رقم الإيداع ۱۸۳۲۱ / ۱۹۹۱ 
الترقيم البو ل :۰۳۹-۳ ۹٩۷۷-۰۹-۰‏ 


القاهرة :۸ شارع سيبويه الصری - ت ٩۰۲۳۳۹۹:‏ - فاکس :4۰۳۷۵۷۱۷ (۰۲) 
پیروت : ص .ب: ۸۱۱6 هاتف : ۸۱۷۲۱۳۰۳۱۵۸۵۹ فاكس : ۸۱۷۷۱۵ (۰۱) 


© من لایسسع سوى صوته لا 
يستطيع أن يحكم بصدق عما إذا 
كان جميلا أو منفراً , ومن لا 
يسال الآخرين عن رأيهم فى 
إمكاناته ويستنير بآرائهم ی 
تقییمها لن ينجح غالبا معرفة 
حقيقتها وتوجیهها التوجیه السلیم 
© فأعرف قدراتك جيدا 
يا صدیقی وحاول أن توجهها إلى 
الطريق الذى تلمع فيه وتنمو , ولن 
يتحقق لك ذلك إلا إذا عرفت بدقة 
نقاط قوتك وتميسزك الحقيقية 


ونقاط ضعفك ؛ ليس مسن 
الضرورى أن يكون كل الناس 
عباقرة ولا مسوهوبین وإنما من 
الضروری فقط أن يختار کل 
[نسان لنفسه الجال الصحیح 
الذی يعبر فيه عن نفسه وتنطلق 
فيه قدراته فانت إنسان اول 
وأخيراً والإنسان كما كان یقول 
شكسبير على لسان هاملت هو 
أعجب مخلوقات هذا الكون ما 
أعظمه ... وما أغريه ... 

© فما أعظمك يا صديقى إذا 
عرفت حدود قدراتك وما أضعفك 
وما أغربك إذا عميت عنها وغرفت 
ل أوهامك إى أن تصدمك صيحة 
منكرة كصيحة « شيل الميكرفون 
پاجدع»۱. 


© دارالشروقس. 


القاهرة: ۸ شارع سیبربه المصری ۔ شه 2۰۹۳۲۹۸ ب لاقن ۱۰۳۷۵۹۷ (۲ ب 
سوت ,ی اہ هاتف ۰۳۱۵۸۵۹ ۸۱۷۳۱۴ فاكس 41190016 (1 م